القضية السادسة: قسوة القلب أو موته وهي درجتان: ذكر في القرآن القفل، والطبع، والران، وهي منازل بل ذكر بعض العلماء أن هناك عشرين منزلة للقلب تبدأ بالغين {إنه ليغان على قلبي} وتنتهي بالقفل، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:{بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}[النساء:١٥٥] وقال سبحانه: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا}[محمد:٢٤] موت القلب لا يحس.
ومن يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح بميت إيلام
قال سيد قطب كذلك في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ}[آل عمران:١٣٥] يقول كلاماً معناه: إن ثقل الدم واللحم قد ينتهي في بعض الناس إلى أن يتبلد إحساسه، ولكن تأتي الفطرة الحقة -أو كما قال- فتستيقظ فيعود إلى الله عز وجل، وتجد بعض الناس من يرتكب من الذنوب والخطايا مثل الجبال ولكن ما يحس، تقول له: لا تغتاب، قال: الغيبة سهلة، إسبال الثوب، قال: هذه من القشور، حلق اللحى، قال: الأمر سهل ليس الإسلام قضية حلق لحى ولا إسبال ثوب، يفتفت الدين فتفتة ويمزقه تمزيقاً، وما عرف عند السلف قشور ولا لباب، هذه كلمة مستوردة وغير مسئولة ولا يقولها طالب علم، بل الدين لباب كله، أتى به معلم الخير عليه الصلاة والسلام، بل أتى بلا إله إلا الله، وفي الحديث:{إماطة الأذى عن الطريق صدقة} الحديث فالدين كله لباب.
وقسوة القلب أو موته تأتي من وقوف الإنسان أمام المعاصي والخطايا والزلات، فتجده قاسي القلب لا يتأثر قال سبحانه:{ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ}[البقرة:٧٤] وابن تيمية يرى في درء تعارض العقل والنقل في المجلد الثاني يقول: كل خطاب لبني إسرائيل فإن المقصود به نحن، على قول المثل السائر:"إياك أعني واسمعي يا جارة" نحن المخاطبون بهذا الخطاب، وقال سبحانه:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد:١٦].
إخوتي في الله! ابن القيم في مدارج السالكين يذكر أسباباً لقسوة القلب منها:
الأول: الذنوب والخطايا، وهذا موضوعنا.
الثاني: كثرة المباحات، مثل: كثرة الكلام بغير ذكر الله، وكثرة الطعام بغير حاجة، وكثرة النوم، وكثرة الخلطة، هذه من أسباب قسوة القلب.
وقد فصلها بكلام عجيب، أما موته فنعوذ بالله من موت القلب:{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا}[الأنعام:١٢٢].
وأما قسوته فإنها تحدث للمؤمن وسئل عبد الغني المقدسي كما ترجم ابن رجب له في ذيل طبقات الحنابلة أو أبو يعلى في كتاب الطبقات قيل له: ما صحة الحديث: [[أن أبا بكر مر على قوم فوجدهم يبكون -من الصحابة- فقال: كنا كذلك حتى قست قلوبنا]] ويروى عن أبي بكر ذلك، وسببه بعض شواغل الحياة التي تحدث للمؤمن، فقد يقسو قلبه بذلك وهو ليس آثماً في هذا، بسبب شغل مباحٍ أو لم يشتغل بالرقائق مثل: المجاهد في سبيل الله، لا تجد قلبه كالعاكف في المسجد المصلي المسبح يبكي، ولكن المجاهد الذي يعيش مع السيف والدبابة والطائرة قد لا يجد من الرقة مثل ما يجد هذا، والآخر يعذر ويشكر على هذا ولو أن المطلوب فيه أن يكون كاملاً من كل جهة.
أما القسوة التي يلام عليها العبد فهي ترك ذكر الله، والإدبار والإعراض عن تدبر القرآن الكريم، وعدم تذكر الموت ولقاء الله عزَّ وجلَّ.