[لقاء وجلست طيبة مع الشيخ العلامة محمد الصالح بن عثيمين]
الخبر السادس: وهذا الشيخ لا يخفى على أحد من المسلمين وهو علم ومنارة، أهل عنيزة وغير أهل عنيزة، وهذا الرجل يميزه أمور: زهده في الدنيا، وشيخه من أذكى الناس، عبد الرحمن بن ناصر السعدي، تتلمذ على كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وبقي عليها فترة من الفترات حتى أخرج كنوزاً من العلوم.
الشيخ محمد الصالح بن عثيمين يميزه دقته وذكاؤه العجيب، استدلاله بالنصوص، وإخراجه الدرر والكنوز، ويميزه: أنه مربٍ، ليس واعظاً فحسب، بل يربي وعنده ما يقارب ثلاثمائة شاب من طلاب العلم وأنا رأيتهم في القصيم في عنيزة يربيهم، وعنده صبر مع الطلاب، وله درس في الصباح وبعد العصر وبعد المغرب في أغلب الأيام، فيجتمع الشباب عليه، ولذلك يرفض السفر فقد دعوناه إلى أبها، ودعاه أهل تبوك، وغيرها من المناطق لكنه يرفض أن يرتحل من أجل طلابه لأنه يربيهم، فهو مربٍ، وفقيه، ثم صابر محتسب.
وشروحه من أعجب ما يكون، ويميز الشيخ اعتصامه كذلك بالدليل، فهو علامة في معرفة استنباط أخذ الحكم من الدليل، وهو علامة في أصول الفقه، وفي النحو.
- ترجمة ذاتية للشيخ ابن عثيمين:
يقول ابن عثيمين: ولدت في رمضان عام (١٣٤٧هـ) ونشأت في عنيزة، وتلقيت العلم على عدة علماء، وانتقلت إلى الرياض للدراسة في المعاهد العلمية أول ما أنشئت، ثم في كلية الشريعة، ثم عدت إلى عنيزة بعد مضي سنتين من الدراسة في الرياض، ثم أكملت الدراسة في الكلية منتسباً، وصرت مدرساً في معهد عنيزة، ثم انتقلت إلى الجامعة.
القابل: شيخ محمد! بالنسبة لطريقة الدراسة، أنت درست في السابق وترى الآن أساليب الدراسة في الحاضر، هل هناك من فرق؟ وهل ترى أن الأساليب القديمة أفضل من الحديثة؟
الشيخ: في السنوات الأخيرة أصبح الناس يجمعون بين الأساليب الحديثة والأساليب القديمة، وهي حضور الدروس في المساجد، فقد انتشر ولله الحمد في السنوات الأخيرة الدرس في المسجد انتشاراً كثيراً، وصار الناس يستفيدون منه استفادة كبيرة، ولا ريب أن دروس المساجد فيها خير كثير وبركة، ويجد الإنسان فيها لذة في تحصيل العلم والاستفادة منه، ويجد ثباتاً واستقراراً فيما تعلمه أكثر من المدارس النظامية.
المقابل: شيخ محمد! بالنسبة لدروسك التي تقدمها في المسجد، ماذا تدرس فيها من العلوم؟
الشيخ: أدرس فيها علوماً شتى: التفسير، والحديث، والفقه، والتوحيد، والعقيدة، والنحو، والمصطلح.
المقابل: الملاحظ بشكل عام، وإن كنت ذكرت أنت يا شيخ/ محمد! أنك تدرس التفسير، لكن يرى كثير من الشباب أن هناك تقصيراً في الاهتمام بالتفسير من كثير من العلماء، فما رأيكم في هذا القول؟
الظاهر بأن الأمر كذلك، وأن كثيراً من الشباب أصبحوا يهتمون بالسنة أكثر مما يهتمون في تفسير القرآن، وهذا لا شك أنه نقص؛ لأن الاهتمام بالقرآن أولى من الاهتمام بالسنة، فإن القرآن قال الله تعالى فيه أنه تبيان لكل شيء، وهو الحجة التي لا يمكن لأحد أن يجادل فيها، وأما السنة فتأتي في الدرجة الثانية وفي المرحلة الثانية بعد القرآن، ولا شك أن الاهتمام بها من الاهتمام بالقرآن أيضاً؛ لأن السنة تفصل القرآن، وتبينه، وتدل عليه, وتعبر عنه، لكن الشيء الذي فيه نقص هو الاعتناء الكامل، وصرف الهمة كلها إلى السنة دون الاعتناء بالقرآن وما يشتمل عليه من المعاني العظيمة.
فالذي أرى أن يبدأ الطالب أولاً بتفسير القرآن قبل كل شيء، ثم بالسنة، ثم بما كتبه أهل العلم من مسائل العقيدة وغيرها.
والشيخ خفيف الظل، أي: دعوب، لطيف المزاج، ولذلك يقرب منه الطلاب؛ لأن الطلاب لا يريدون الإنسان المكشر المنفر، الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول: {يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا} والرسول صلى الله عليه وسلم سهل الخلق، وكان يمزح، وقرأت في صحيح الجامع للألباني حديثاً صح عند أحمد وغيره، قالت عائشة: ذهبت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة، فقال للصحابة: تقدموا تقدموا، قالت: فتقدموا، فقال لـ عائشة: سابقيني سبحان الله! تصوروا هذا الخلق العظيم من محمد صلى الله عليه وسلم! نحن لما نتحدث عن هؤلاء العلماء الأفاضل والمشايخ فإننا نعظمهم, لكن إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كان كالشمس إذا ظهرت غاب كل كوكب ونجم, وإذا جاء سيل الله بطل سيل معقل.
المصلحون أصابع جُمعت يداً هي أنت بل أنت اليد البيضاء
ألم تر أن السيف ينقص قدره إذا قيل إن السيف أمضى من العصا
قال: تقدموا، فتقدموا، قال: سابقيني فسابقته رضي الله عنها فسبقته؛ لأنها خفيفة كانت شابة فتية، وهو صلى الله عليه وسلم قائد يتحمل ويتعب، ومفتٍ وخطيب، وواعظ وموجه، وإداري وسياسي، وزعيم واقتصادي، وعلَّامة ويتلقى الوحي، ويربي وينهى -سبحان الله- فسبقته، فأخذها صلى الله عليه وسلم أي: حفظها لـ عائشة.
قالت: وبعد سنوات أتى الصحابة في غزوة، فقال لهم: تقدموا، فتقدموا، فقال: سابقيني، قالت: فكثر علي الشحم، وثقل بدني، فسبقني، فتبسم صلى الله عليه وسلم وقال: {هذه بتلك} سبحان الله! بعض الناس يقول: هذا فضول، أي: هل وجد في حياته صلى الله عليه وسلم من الفراغ أن يسابق أهله؟ نقول: نعم.
لأنه مربٍ، حتى مع الأطفال فإنه يداعبهم.
تجد بعض الناس إذا قيل له: لماذا لا تمازح أطفالك؟ قال: أنا مشغول، اشتغلنا عنهم بهذه الدنيا، يا أيها الذي أنهى عمره، وفتن نفسه! هذا معلم الخير أكثر شغلاً منك، ومعلم الخير وقته مزحوم بقضايا وأحداث الأمة، بل جاء في الصحيحين {أنه صلى الله عليه وسلم أخذ أمامة وصلى بها العصر، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها}.
يا أيها الرجل! محمدٌ صلى الله عليه وسلم صعد على ظهره الحسن في صلاة العصر أو الظهر، وهو يصلي بالناس -والحديث صحيح- فمكث في السجود حتى نزل هذا الطفل، ثم قال: {إن ابني ارتحلني وخشيت أن أقوم فأوذيه} سبحان الله! شريعة وإسلام، لكن عيبنا نحن أنا لا نطالع السيرة، ولا نطالع الأحاديث، وقليل من الناس من يطالع كيف كان تعامله وتربيته لأصحابه فلذلك علينا أن نهتم بذلك.
والشاهد: يوم تعرضنا للشيخ العلامة محمد الصالح بن عثيمين -أثابه الله- وتواضعه مع الطلاب، وأنه أخذ ذلك من رسول الله عليه الصلاة والسلام واستفاده منه.
والشيخ يميزه بعد نظره في أمور الدعوة فهو رجل يعطيك درراً إذا تكلم، ورجل ذو خبرة طويلة فهو في الرابعة والستين من عمره أو ما يقاربها، يخبرك كيف يكون فن الدعوة؛ لأن بعض الشباب الآن يريد الدعوة، لكن يتخذ من الأساليب ما يؤدي إلى نتائج عكسية للدعوة, فإذا أراد أن ينكر أغلظ في الإنكار، وإن أراد أن ينهى أغلظ في النهي، فلا يقبل الناس منه شيئاً {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩].
ولذلك تجد بعض الشباب يأتي متحمساً، يقول للعالم: لماذا لا تفعل كذا وكذا؟ لماذا لا تقول: كذا وكذا؟ وكأنه أعلم من العالم، لا.
العالم يعرف المصالح وهو ذكي، وأنت يا أيها الطالب! إذا عرفت جزئية أو حديثاً لا يعلمه العالم لكنك عرفت أنت مسألة وهو يعرف مليون مسألة، يعرف المصالح والمفاسد، بعيد النظر، ويعرف الواقع، ومجريات الأمور، فلذلك يجب أن تستفيد من هؤلاء القمم من العلماء، ولا بد أن تقلدهم في الخير وتقتدي بهم، وتنظر كيف يتعاملون في الواقع.
جرح المشاعر في الدعوة ليس بصحيح، فمن الأخطاء أن يأتي شاب يجرح مشاعري ثم يقول: أدعوك إلى سبيل الله!
أحد الناس مر بجزار وبيده ساطورة يقطع اللحم، فقال للجزار: صلّ يا حمار! -والحمار لا يصلي- فقال الجزار: انتظر يا عدو الله، وأتى عليه بالساطورة يريد أن يقسمه نصفين، فولى هارباً وعلم أنه أخطأ؛ فهذا اللفظ ليس له داعٍ.
بعض الناس إذا أنكر، أنكر بفضاضة فيقول: حسبنا الله عليك سلط الله عليك الله يدمرك، ونقول لهذا: لماذا يدمره الله؟ أنت ما بلغت حق البلاغ، الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى يقول: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} [المائدة:٦٧] أنت ما بلَّغت حق البلاغ؛ لأن حق البلاغ أن تقدم الإسلام طرياً ناضجاً مقبولاً، أما أن تأتيني بالعصا، وتكسر ظهري، وتنفرني، وتجرح مشاعري، وكياني، ثم تقول: أدعوك! لا أقبل أبداًَ.
للإنسان كرامة: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:٤٤] أنا أستطرد متعمداً؛ لأنه ينبغي علينا أن نعرف كيف نوصل الكلمة إلى أهلها، وكيف نكون حكماء مع الناس، عل الله أن يهدي بأيدينا؛ لأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه.
ذكرت في محاضرة ماضية اسمها (ففروا إلى الله) في مسجد الرحمة في جدة، قصة رجل صالح عنده من العلم أشبه شيء بالعوام، لكن عنده حكمه {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة:٢٦٩] وكان في هذه المنطقة يوجد رجل مروج للمخدرات شاب مشهور بهذا، وترك المسجد والصلاة، وعق والديه، وقاطع أرحامه، وأخذ يطارده رجال الأمن، وهو يطاردهم، هم بالرشاش وهو بالرشاش، حتى يئس منه أبوه وأمه، وبكوا عليه ودعوا عليه، فأتى هذا الرجل الصالح وقال: لماذا لا أجرب أن أهديه إلى طريق الله المستقيم، ليكون في ميزان حسناتي يوم القيامة {لئن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} لكن ماذا فعل؟
قال: أول ما أفعل أن أدعو الله أن يصلحه فإن الصلاح والهداية من عند الواحد الأحد {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [القصص:٥٦] قال: فكنت أقوم في آخر الليل فأصلي ركعتين في السحر - ولعلنا نقتدي به- وأبكي، وأقول: يا رب! افتح على نفس ذاك الشاب وقلبه وأن تعيده إلى الدين، قال: واستمريت على هذا أياماً، قال: ثم أخذت هدية، والهدية طيبة، و (اللُّهى تفتح اللَّهى) يقول ابن تيمية: إذا حرم الله حراماً، جعل من الحلال ما يكافئه.
أنت لا بد أن يكون لك أسلوب جميل في الدعوة: بسمة، أو زيارة، أو عزومة، وإذا رأيت أن العاصي هذا يمكن أن تصلحه كبسة فاذبح له كبشاً واطبخه، وأكرمه حتى يهتدي؛ لأنك قد تدخل الجنة بكبسة، وإذا رأيت أنه يعجبه هدية ما فاهدها له لعله يهتدي، قال: فأخذت هدية ووصلت إليه، وقلت: أرى عليك آثار الخير فاستنار قلبه وهذا من الكلام الطيب, فإنه لا توجد آثار الخير على مروج مخدرات، لكن هذا الأسلوب من باب: {فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً} [طه:٤٤] ولو قال له: أرى عليك آثار المعصية والفجور، فإنه لن يهتدي أبداً.
قال: فأعطيته الهدية، فقبلها، فقلت في نفسي: الحمد لله، لن أكلمه بكلمة مادام قد قبل الهدية، قال: ثم عدت إلى بيتي، قلت: هذه ثاني خطوة، الخطوة الأولى: الدعاء في السحر، والخطوة الثانية: الهدية، ثم تركه أياماً ثم ذهب إليه، وقال: أريد أن تأتي؛ لأنك أكرمتني بقبول الهدية، وسبق بيني وبينك زيارة، أن تزورني لوجبة خفيفة، قال: نعم سوف أزورك، الناس على الفطرة: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} [الروم:٣٠].
الآن المجرم الفاسق في الشارع، الذي لا يصلي إذا قلت له: يا كافر! وهو كافر في الشرع لأنه ترك الصلاة، إذا قلت له: يا كافر! فإنه يخرج السكين ويؤذيك، والفاسق إذا قلت له: يا فاسق! قال: أنا فاسق؟! فيقاتلك؛ لأنهم لا يرضون الكفر ولا الفسوق، لكن الشيطان ركبهم، قال: فأتاني وتغدى فما كلمته بكلمة، وبعد أيام ذهبت إليه, وقلت: أريد أن أخرج أنا وأنت في نزهة، قال: فركب معي في السيارة، فذكرت الله معه وأسمعته بعض المحاضرات التي فيها بعض الكلمات الحارة التي تصل إلى القلب، قال: فما رد علي إلا بالدموع، وقال: أشهد الله وملائكته وحملة عرشه، ثم أشهدك أني تبت إلى الله، أسألك بالله أن تمر لي في كل صلاة وتنبهني قبل صلاة الفجر لأصلي.
وفي أيام تحول إلى الهداية، ودخل على والديه فإذا هم يبكون من الفرح.
طفح السرور علي حتى إنني من عِظْمِ ما قد سرني أبكاني
فهل يعجزنا هذا الأسلوب؟ وهل جرب أهل الأساليب الغليظة والشديدة هذه الأساليب الطيبة في الدعوة إلى الله.
هذا من ضمن ما استطردت به في سيرة الشيخ، وإنما مقصودي بالعلماء الثلاثة أن يكونوا قدوة لنا, لأن الصحوة عندنا عظيمة، لكنها هائجة مائجة، مثل الجمل الهائج تحتاج إلى خطام وزمام، فهناك شباب وهناك عودة، لكن الشباب عندهم حماس، ويريدون علماء، لأن العلماء مثل إشارات المرور, تنبه السائرين في الطريق عن الوقوع في الأخطاء, فهذه: هدئ السرعة, وتلك: أمامك منحنى، ممنوع التجاوز، ممنوع الوقوف فالعلماء مثل هذه الإشارات، فيقولون للشاب: اطلب العلم، لا تتكلم عن هذا الشيء، اترك هذه القضية، أو لا تتحدث اليوم، أو لا تتحدث في هذه القضية على المنبر، اكتبها كتابة، هذه المسألة لا تذكرها في المجلس، لا ترافق فلاناً، فهذه مسئولية طلبة العلم والعلماء والدعاة.
لأنا نعرف أن في الناس حماساً، لكن يحتاجون إلى علماء ويحتاجون إلى دعاة، ويحتاجون إلى حكماء.
من أخبار عطلة الربيع: تزوج أحد المحبين في مكة، في مهبط الوحي، وقد أقيم في أثنائه حفل جميل تم تسجيله، وهو شريط موجود في التسجيلات، اسمه: (زواج في مهبط الوحي) وأخوه معنا هنا، الشيخ حامد المصلح القحطاني الداعية المعروف، أخو الشيخ سعد تزوج زواجاً عجيباً، والزواج هذا كان فيه ذكر الواحد الأحد، وفقرات، واستبدلوا الغناء واللهو والعبث والشرود عن منهج الله، بأساس من كلام طيب دخلت فيه الآية العجيبة التي هزت الكيان، والحديث الطيب، والقصة العجيبة، والفكاهة، والطرفة، وبيت الشعر، والمواقف المحرجة من الشيخ سعيد ومني، وهي مضحكة في الحقيقة، لكن على كل حال، أقول: هي بديل عن فقرات اللهو والغناء.
شيخ سعيد معذرة هل لديك طرفة عاجلة، وإن كان لا بد فطرفة قديمة؟
هناك طرفة محفوظة مثل ما قال الشيخ، ليست من طرائفي أنا، وإنما طرفة قرأتها، ولها مناسبة زواج، وهو أنه في حفل زواج سمع به أشعب وأشعب يضرب به المثل في الطمع وفي حب الولائم، وكان صبيان الحي يتبعونه حتى تأذى منهم فأراد أن يصرفهم عنه فقال لهم: إن في بيت آل فلان عرساً، فإن أردتم الطعام فاذهبوا، فصدقوه ومضوا، فلما مضوا جلس يفكر، وقال: يمكن أنني صادق، فلحق بهم، ولم يكن هناك زواج فعلاً، لماذا لم تضحكوا؟ أظنها باردة.
أعطيكم طرفة حارة تجعلكم تضحكون منها غصباً، هذه النكتة على النساء والرجال، يقال: إن جحا مرضت امرأته، فجاء إلى التنور ليشعل النار، فحاول وانتهت علبة الكبريت قبل أن تشعل النار، وكلما حاول أن يشعلها لا تشتعل، أخيراً فكر، وذهب إلى غرفة امرأته وهي مريضة، وأخذ شيلتها من على رأسها، ولبس شيلتها وأوقد النار فاشتعلت من أول لحظة، فقال: حتى النار تخاف من زوجتي.
ويعلم الله أن الإنسان لا يذكر هذه إلا ليزداد الخير وينتشر، وإلا لا بأس أن يتحدث الإنسان، ولا بأس كما يقول ابن القيم في أحد كتبه في مقدمته.
هذا الكتاب من أحسن ما كتب، وما سمعت كتاباً كتب مثله، لكي يجعلك تقرأه، نحن نعرف أن بضاعتنا لا تصلح، وأنها مزجاة، لكن نقول كما قال الأول: {وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [يوسف:٨٨].
فعل الله أن ينفع بها, ولا بأس أن يتحدث الإنسان عما يكتب أو يقول من أجل نشر العلم، والاستفادة منه ومن أجل أن يعم الخير، وأن يزيد الله من حسناته وأجوره لا رياء ولا سمعة، والله أعلم بالنيات {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:١٥ - ١٦].
هذه من أخبار هذه الرحلة وعسى الله عز وجل أن ينفعنا وإياكم، وأن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال، وأن يتجاوز عنا وعنكم سيئها.