للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[بين قيمة الدنيا وقيمة ذكر الله]

{وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَن} [القصص:٨٠] يقولون: خافوا الله، ثواب الله في الجنة أحسن من هذه الدنيا، والله الذي لا إله إلا هو إن "سبحان الله" فقط خير مما طلعت عليه الشمس وغربت، وكلكم يسمع عن سليمان بن داود، وقصصه في القرآن، ملك الجن والإنس والطيور والزواحف وكل ما هب ودب، حتى الريح هذه التي تمر علينا صباح مساء ملكها، كانت لا تتحرك إلا بأمره، إذا أراد أن يرتحل من بلد فإنه يأمر الريح {غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ} [سبأ:١٢] يقول: يا ريح احمليني إلى الهند، فتأتي الريح فتكون كالبساط، ثم يركب هو ووزراؤه وحاشيته، فتنقله في لحظات، حتى ينزل في الأرض.

كيف تنزل به؟

يقول الله: {رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص:٣٦] أي ما تنزل بقوة إنما رخاءً -تدريجياً- حتى يهبط في الأرض، فارتفعت به الريح في مرة من المرات ومعه من جنوده وقوته قوة لا يعلمها إلا الله، ولما أصبح في السماء، مر تجاه الشمس فحجب ضوء الشمس عن فلاح يشتغل في الأرض؛ فنظر الفلاح فرأي سليمان عليه السلام والريح تمر به.

قال الفلاح: سبحان الله! لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، فسمعها سليمان عليه السلام، قال للريح: اهبطي بي هنا، فهبطت بجانب الفلاح، قال: ماذا قلت يا فلان، قال: ما قلت إلا خيراً، قال: ماذا قلت؟

خاف من سليمان قال: والله ما قلت إلا سبحان الله لقد أوتي آل داود ملكاً عظيماً، قال: والذي نفسي بيده، لقولك سبحان الله في ميزانك خير مما أوتي آل داود.

الرسول عليه الصلاة والسلام، يقول: {لأن أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر؛ أحب إلي مما طلعت عليه الشمس}.

رأيناهم والله أغنياءً يملكونها بالملايين، لا يتعاملون إلا بالشيكات والمصارف العالمية، ثم توفوا، وإن بعضهم توفي في مدينة نائية عن تجارته، حتى طلب له كفن من التجار بالشحاذة، شحذوا له كفناً، ودس في التراب.

أين الذهب؟ أين الفضة؟ أين الجاه؟

لا جاه إلا لمن أسعده الله.

يا متعب الجسم كم تسعى لراحته أتعبت جسمك فيما فيه خسرانُ

أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ

يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً بالله هل لخراب الدهر عمرانُ

تدخل مجلس أحدنا فتجده مزوقاً كأنه إيوان كسرى وقيصر؛ فيه الكنبات والروائح والملبوسات والمفروشات والمطعومات والمركوبات والعطور، شيء عجيب يُذْهِلُ، لكن ماذا أعددنا للقبر؟

ماذا أعددنا لتلك الحفرة؟

ماذا فعلنا بذاك القبر الضيق؟

يدس فيه الإنسان لا ولد، ولا أهل، ولا زوجة، ولا أنيس، ولا حبيب إلا من أسعده الله.

والموتُ فاذكره وما وراءه فمنه ما لأحد براءه

وإنه للفيصل الذي به ينكشف الحال فلا يشتبه

والقبر روضة من الجنان أو حفرة من حفر النيران

إن يك خيراً فالذي من بعده أفضل عند ربنا لعبده

وإن يكن شراً فما بعد أشدّ ويلٌ لعبدٍ عن سبيل الله صدّ

لكننا لا نفقه ولا نعي ولا نفهم، الله يقول لنا: عوا، افهموا، اسمعوا، تدبروا، اعقلوا؛ لكن أين القلوب؟!

ران عليها الخطأ، أظلمت وقست من السيئات.

كيف يعي قلب من يستمع الغناء صباح مساء؟!

على الأغنيات الماجنات من المغنين والمغنيات، الأحياء منهم والأموات، يصبح على الأغنية، ويمسي على الأغنية، يركب السيارة وهو يسمع أغنية، ويدخل المجلس مع أغنية، أبعثنا للناس بهذا؟!

أكانت حياة الصحابة كحياتنا؟!

هل أمرنا الله أن نعيش على هوامش الأحداث؟

أكل وشرب ونوم وغناء ورقص ولعب ولهو!! أين حياتنا؟!

{أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢].

<<  <  ج:
ص:  >  >>