تخفيف الصلاة رحمةً بالضعفاء وذوي الحاجات
من الرحمة التي أنزلها الله في قلبه عليه الصلاة والسلام أنه يصلي بالناس فيسمع بكاء الأطفال، فيتجوز في الصلاة، فيقول: {إني أدخل في الصلاة فأريد أن أطيلها، فأسمع بكاء الطفل فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه} سبحان من أعطاك الرحمة! وسبحان من أنزلها في قلبك! وسبحان من علمك أن تتعامل مع الناس؛ حتى قدت البشرية إلى بر السلام!
كان يغضب من التشديد على الناس، ويريد التيسير؛ أرسل أبا موسى ومعاذاً داعيين ورسولين ومنذرين ومبشرين إلى اليمن، فكان آخر ما أوصاهما به أن قال لهما: {يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا}.
وأتاه رجلٌ من الأنصار فقال: {يا رسول الله! والله الذي لا إله إلا هو إني أتخلف عن صلاة الفجر من أجل ما يطيل بنا فلان} يعني معاذاً رضي الله عنه وأرضاه، فقد قرأ بهم مرة من المرات سورة البقرة، فقسمها في ركعتين، فأتى هذا الأنصاري وكان وراءه أسرة ومتطلبات وأشغال ودواعي، فترك الصلاة وصلى صلاة خفيفة، وذهب يشتكي معاذاً إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهل قال الرسول صلى الله عليه وسلم أحسنت يا معاذ؟ أحسنت يوم أطلت وقرأت وأسمعت ورتلت؟ لا.
بل غضب صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً، فلما دخل معاذ غضب عليه الصلاة والسلام في وجهه، وقال: {أفتان أنت يا معاذ! أفتان أنت يا معاذ! أفتان أنت يا معاذ! من صلى منكم بالناس فليخفف؛ فإن فيهم الكبير والصغير والمريض وذا الحاجة} فهذا الدين رحمة، ويسر وسهولة دين دخول إلى القلوب , وشراءٌ للأرواح.
كانت عيناه عليه الصلاة والسلام تدمعان دمع رحمة، وإلا فهو من أشجع الناس.
وإذا لقيت كتيبة يوم الردى أدبت في يوم الردى أفعالها
وإذا وعدت وفيت فيما قلته لا من يكذب فعلها أقوالها
وكان صلى الله عليه وسلم يتأثر في المواقف، فقد دخل على ابنه إبراهيم وهو يجود بنفسه، فبكى حتى شهق صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عوف: {حتى أنت يا رسول الله؟! -أي: حتى أنت تبكي- قال: إنها رحمة ويضعها الله في قلوب من يشاء من عباده، ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله}.
ويأتي إلى الحسن فيقبله أمام الجماهير، فيقول الأقرع بن حابس التميمي - وهو رجل تربى في البادية صلداً كالحجر قاسياً كالصحراء- قال: {يا رسول الله! أئنكم تقبلون الأطفال؟! والله إن عندي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم، وقال: أأملك لك أن نزع الله الرحمة من قلبك؟}.
يرى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه رجلاً يريد أن يذبح شاة، فقادها برجلها، فقال عمر: [[يا عبد الله! اتقِ الله، وقد الذبيحة إلى الموت قوداً جميلاً، كفى بك أن تذبحها]] ولذلك تجد بعض الناس يتعامل ببشاعة وقسوة وفتك مع الحيوانات؛ ومع الأبقار والأغنام والدجاج والقطط والكلاب؛ وكأن ليس لها قلوب ولا أكباد، والله الذي خلقها ولو لم يرد رحمتها ما خلقها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
وأعظم ما نتراحم به بيننا في تعاملنا وزياراتنا وتوادنا قال صلى الله عليه وسلم: {ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء}.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه؛ إنه هو التواب الرحيم.