للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[أسباب استجابة الدعاء]

تأتي إجابة الدعاء؛ مع أنه من الملاحظ أن إجابة الدعاء ليست بالأمر السهل عند أولياء الله عزوجل، بل له أمور تسوغ إجابة الدعاء، وتجعل هذا الدعاء مجاباً بإذن الله عزوجل، فمنها:

١ - الولاء التام لله عزوجل.

٢ - المطعم الحلال.

٣ - ألا تدعو بإثمٍ ولا قطيعة رحم.

٤ - أن تدعو دعاء المضطر؛ فلا تدعو بقلبٍ لاهٍ غافل.

٥ - أن تتحرى أماكن الاستجابة، وأوقاتها التي هي معروفه عند الناس؛ فإذا اجتمعت هذه الشروط فإنه أدعى لحصول الإجابة، وهو الفتح من الله، والبركة والرضوان والاستجابة السريعة.

عمر رضي الله عنه حج آخر حجة، فلما مشى يقود الحجيج إلى عرفات سمع هاتفاً يهتف:

عليك سلام من إمام مبارك وبارك في ذاك الأديم الممزق

فكُلم رضي الله عنه في ذلك، قال: هذا أجلي نعي إليَّ، وكان رضي الله عنه عنده طلاقة وفهم، وهو ملهم حيث يقول صلى الله عليه وسلم: {إن يكن في أمتي محدثون فإنه عمر بن الخطاب} أو كما قال صلى الله عليه وسلم؛ فهو محدث ملهم تأتيه السكينة والإلهام من الله عزوجل، هو ليس بنبي لكن تأتيه الفتوح؛ لصفاء قلبه، وقوة عقيدته رضي الله عنه.

ولما انتهى من المناسك قيل: حصبه رجل من اليمن، ووقعت هذه الرجمة في رأس عمر؛ وكان أصلع فسال الدم، والتفت عمر مرةً ثانية، وقال: [[هذا أجلي نعي إليَّ]].

وبعد أن انتهى من المناسك، وانتهى من عبادة الله، اضطجع على البطحاء؛ قيل: في محصب الحجيج، وقال: [[اللهم قد انتشرت رعيتي، ورق عظمي، ودنا أجلي، اللهم فإني أسألك شهادة في سبيلك، وموتاً في بلد رسولك]] وما أعظم ما طلب! طلب أمرين اثنين يصعب أن يجتمعا: شهادة في سبيلك، وموتاً في بلد رسولك.

قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: [[يا أمير المؤمنين؛ شهادة في سبيل الله، وموت في بلد رسول الله، كيف يكون ذلك؟ الناس يقتلون على حدود الروم، وفي بلاد فارس، وفي القادسية، وفي اليرموك، وليس في المدينة قتال، قال: قد دعوت الله]] انتهى.

رجع رضي الله عنه وأرضاه، وأكرم مثواه، وحشرنا في زمرته وزمرة محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق، وأجلسنا معهم على بساط من نور عند مليك مقتدر لا نخاف ولا نحزن إن شاء الله.

وعاد إلى المدينة، وما إن وصل إلى المدينة إلا ورأى رؤيا كما تعلمون؛ رأى أن ديكاً رومياً نقره، وعرض رؤياه على الناس، وقال: [[لقد أخبرت أسماء بنت عميس فأخبرته بأنه سيقتل]]؛ وبقي متوجساً بين الخوف والرجاء، يرجو رحمة الله ويرغب في لقائه، ويتلهف وهو يدعو أن يقرب دائماً من الموت؛ وهذا من الأدلة على أن الإنسان إذا خاف على نفسه خوفاً زائداً أن يدعو بالموت، وإلا فهو منهيٌ أصلاً، فدعا بهذا الموت:

ومن لقاء الله قد أحبا كان له الله أشد حباً

وعكسه الكاره فالله اسأل رحمته فضلاً ولا تتكل

وامتدت يد آثمة وهو يقرأ في صلاة الفجر؛ في قراءة رزينة، متمكنة.

قتل رضي الله عنه، وارتفعت روحه ليوفي الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى ما وعده، وما سأله؛ وسؤاله له عزوجل: أن يرزقه شهادةً في سبيله، وموتةً في بلد رسوله.

<<  <  ج:
ص:  >  >>