[الوعد بالجنة]
العاشر: وعد عليه الصلاة والسلام محبيه وأتباعه برضا الله، وجنة عرضها السماوات والأرض، هذا هو الثمن للتضحيات، وأيما ثمن دونه فإنما هو غبن لا يساوي الجهد المبذول، يقول له الأنصار: {يا رسول الله! أئن نصرك الله ما لنا؟ قال: لكم الجنة} ليس عنده دنانير، هو أصلاً ليس مساوماً، لا يلعب بالنار، وهو لا يشتري دعايات، فهو عليه الصلاة والسلام ليس في اقتراع أصوات ولا في انتخابات، لا.
بل من أراد الجنة فطريقها من لا إله إلا الله، ومن أراد النار سلك طريقها: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:٣]
يأتي أبو بكر فيقول: يا رسول الله! إذا آمنت بك ما لي؟ قال: الجنة قال الأنصار: {يا رسول الله! إن نصرناك فما لنا، قال: الجنة، قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل} {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة:١١١]
الرسول عليه الصلاة والسلام: لم يُمن أحداً بمنصب، ولا مال، ولا برتبة ولا قصر، أو دار، أو بمديحة بل قال لهم: رضا الله والجنة.
صح عنه عليه الصلاة والسلام، أنه قال: {من يقتل خالد بن سفيان الهذلي وله الجنة، فذهب عبد الله بن أنيس فقتله، فقال: يا رسول الله! ألي الجنة؟ قال: لك الجنة، قال: ما علامة ذلك؟ قال: خذ هذه العصا، علامة بيني وبينك يوم القيامة} تتوكأ بهذه العصا -إن شاء الله- في الجنة، والمتوكئون بالعصي في الجنة قليل وأخذها عبد الله بن أنيس ليتوكأ بها في الجنة إن شاء الله.
يقوم على المنبر -والقصة صحيحة- فيقول: {من يجهز جيش تبوك وله الجنة؟} ليس عند الرسول عليه الصلاة والسلام إلا الجنة، ليس عنده رشوة ولا مداهنة ولا زهرة الدنيا، فجهزه عثمان، فقال: {اللهم ارض عن عثمان فإني عنه راض، ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم}.
إن التربية التي تربي الشباب على الجوائز لذاتها فحسب، سوف تربي جيلاً مادياً رأسمالياً، نعم نحن نشجع الناس بالجوائز، لكن المقصد رضوان الله، وجنة عرضها السماوات والأرض، نقول للحافظ: احفظ القرآن ليرضى الله عنك، وليلبسك حلة على رءوس الأشهاد، ثم لك جائزة، ونقول للشاب: احفظ الأحاديث ولك جائزة بعد رضوان الله والجنة.
أما أن نجعل الجيل يطلبون بالدين وبالعلم الشرعي النافع أغراض الدنيا، فمعنى ذلك: الرياء والسمعة وإحباط العمل: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥].
{أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ} [الزمر:٣] {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} [الكهف:١١٠].
بالله يا مسلمون! لو أن الرسول عليه الصلاة والسلام -فرضاً وجدلاً- يوم بذل أصحابه مابذلوا وضحوا بما ضحوا به، قال لهم: أما جزاؤكم على تضحياتكم، فلك يا عمر الكوفة، ولك يا علي البصرة، ولك يا أبا بكر عشرة آلاف ألف دينار، ولك يا فلان! كذا وكذا، فكم هو ثمن بخس؟ وكم هو قلة؟ وكم هو ضياع؟ لكن قال: الجنة، ولذلك تسابقوا إلى الجنة.
جعفر خرج إلى مؤتة ليس عنده كسرة خبز من شعير، وكسرت السيوف في صدره وقطعت يداه وهو يقول:
يا حبذا الجنة واقترابها طيبة وبارد شرابها
والروم روم قد دنا عذابها كافرة بعيدة أنسابها
عليَّ إن لاقيتها ضرابها
أنس بن النضر في آخر رمق يقول: [[إليك عني، والذي نفسي بيده! إني لأجد ريح الجنة من دون أحد]].