[التفكر في السيرة النبوية]
أيضاً أوقفك مع رسولك عليه الصلاة والسلام، أيها الشاب الذي هو هناك لا هنا! لأنكم هنا أبرار، ونسأل الله أن يجعلهم أبراراً كما أنتم، أيها الشاب هناك! أمحمد صلى الله عليه وسلم أخرجك للدهر وللتاريخ بهذا المستوى، وأرادك أن تكون هكذا؟! إن محمداً صلى الله عليه وسلم أخرج لنا معاذاً وسلمانَ ومصعباً وبلالاً، نماذج في التاريخ الواحد منهم يساوي أُمَّةً ودهراً وتاريخاً، وأوقفك مع الناس، بل أولاً مع والديك، أوالدك وأمك يرضون هذا المستوى؟!
سلوا من يخالط المجتمع كخطيب الجمعة وإمام المسجد، أو من يكون له دعوة، سلوا كم من المشكلات تُعرض عليه، يأتيني شيخ في الستين من عمره يبكي وتدمع عيناه، قلت: مالك؟! قال: ابني فظ غليظٌ عليَّ يتهددني، تجد الواحدَ من الآباء ربى ابنه بدمه وبدموعه وبماله وبكل ما يملك، وأعطاه كل شيء في حياته، منحه الحب والسهر، وأعطاه المال، وجاع ليشبع، وظمئ ليروى، وسهر لينام، وتعب ليرتاح، وبعدما اكتمل نمو هذا الشاب، وأصبح قوياً، عقَّ أمه وأباه، وأغلظ لهما وطردهما، حتى أنه يوجد في المجتمع من لا ينفق على والديه وهم بحاجة إلى الصدقة والزكاة!
تصور أين شعور هذا الشاب الذي يأكل مع زملائه على الخضروات، وعلى الفواكه والمطعومات والمفروشات، ووالده في حاجة ماسة إليه! تصور أن بعض الآباء لا يبرهم إلا أبناء الجيران، تجده مع أبناء جيرانه إلى المستشفى، وإلى المسجد، وإلى المحاضرة، وإلى الدرس، فتسأله أين ابنك؟ قال: عقني وتركني وعصاني، هذه مأساة أيضاً مع الناس.
تصوروا -أيها الإخوة- كم خسرنا من شباب لو أنا استفدناهم، ولو أني وإياكم كنا صادقين، لذهبنا إليهم وجلسنا معهم، وأهدينا لهم الشريط الإسلامي والكتيب، وزرناهم وتفقدنا أحوالهم، وأتينا بهم، إذن سيكون مع هذا الجمع مثله خمس مرات، لكن قلنا: أنفسنا! وسكتنا، وحضرنا واستمعنا، وخرجنا وما قدمنا شيئاً.
أيضاً أنا أنادي هذا الشاب: هل هو يرضى حياته هذه؟! أيرضى أن يكون ابنه مثله؟! إما مروج مخدرات، أو متعاطياً لها أو سامعاً للأغنيات تاركاً للصلوات، أو نازلاً في الشهوات؟!! والله لا يرضى إذا كان عاقلاً! لكن سبحان الله! الهوى يعمي:
إذا ما لم يفدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا
وإن ألقاك فهمك في مهاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا
مشيت إلى الصروح بغير علم لعمرك لو وصلت لما رجعتا
تفر من الهجير وتتقيه فهلا من جهنم قد فررتا
وتشفق للمصر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمتا
هو يرحم الناس، أنت لو ذكَّرت شاباً برجلٍ يعذب في النار لربما بكى، ولكن نفسه هو لا يتأملها ولا يدعوها ولا يذكرها.