للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[وجوب التثبت والتريث قبل التكفير أو التفسيق]

قال: وأن يحذروا من التعجل في إطلاق التكفير أو التفسيق أو التبديع لغيرهم بغير بينة ولا برهان، وقد طالبنا عليه الصلاة والسلام بالتثبت والتبين، ويروى عنه: أنه نظر إلى الشمس فقال لأحد أصحابه: {على مثلها فاشهد} يروي هذا الحديث ابن أبي خيثمة ولو أن في سنده نظراً كما ذكره الحافظ في بلوغ المرام، لكن أدلة القرآن تشهد له، فقوله سبحانه وتعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [الزخرف:٨٦] وكقوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات:٦] وكقوله سبحانه وتعالى: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا} [الأنعام:١٤٨] وكقوله سبحانه وتعالى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:١١١] وقال جل اسمه: {لا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء:٣٦].

فالواجب على الإنسان أن يتثبت ولا يتعجل، وأنا أطالبكم بالحوار المفتوح، من كانت في ذهنه شبهة عن الدعاة، أو بلغه كلام، أو سمع كلاماً في شريط لم يفهمه، أو قرأ مقالة أو كتيباً؛ فليأتِ سواء في البيت أو المسجد أو في الكلية، أو يصل إلى أي شيخ في مكانه، أو يصل إلى الدعاة أو القضاة أو العلماء، ويتبين مما قيل؛ حتى يكون على بصيرة قبل أن يتهجم بأحكام يسأله الله عنها.

قال: وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {من قال لأخيه: يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما} متفق على صحته.

يقول سماحته: ومن المشروع لدعاة الحق وطلبة العلم إذا أشكل عليهم أمر من كلام أهل العلم أن يرجعوا فيه إلى العلماء المعتبرين ويسألوهم عنه، يقول سبحانه وتعالى عن المنافقين: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ} [النساء:٨٣] المنافق يحب الشائعات، ويحب أن يشهر بالصالحين، ويستوشي الأخبار ويشعلها ويوقدها في المجالس وقد قال صلى الله عليه وسلم: {كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع} رواه مسلم.

قال سبحانه وتعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء:٨٣] فأنت إذا سمعت شائعة أو خبراً فعد إلى العلماء، واسأل طلبة العلم والدعاة حتى تكون على بصيرة.

قال: ويسألوهم عنه ليبينوا لهم جلية الأمر، ويوقفوهم على حقيقته، ويزيلوا ما في أنفسهم من التردد والشبه، عملاً بقول الله عز وجل في سورة النساء: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً} [النساء:٨٣] قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: [[أنا من الذين يستنبطونه]] أي: يعيدون إليه؛ حتى يبين لهم الأمر.

قال سماحته: والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين جميعاً، وأن يجمع قلوبهم وأعمالهم على التقوى، وأن يوفق جميع علماء المسلمين ودعاة الحق لكل ما يرضيه، وأن ينفع عباده، ويجمع كلمتهم على الهدى ويعيذهم من أسباب الفرقة والاختلاف، وأن ينصر بهم الحق، وأن يخذل بهم الباطل، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وصحبه، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.

عبد العزيز بن عبد الله بن باز

الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد

وهذا الخطاب -كما ترونه- قد انتهى، أثاب الله سماحته خير ما جزى عالم أمة عن أمته، وأسأل الله أن يبارك في عمره، وأن يجمعنا به في دار الكرامة، وأن يحفظه جزاء ما دافع عن الدعاة، وما وقف في صفهم، وما حمى الله سبحانه وتعالى به سنة محمد صلى الله عليه وسلم.

وهذا الخطاب سوف أسلمه إلى مؤذن المسجد، وغداً في صلاة المغرب تجدونه هنا؛ ليأخذه الخطباء وأئمة المساجد، وطلبة العلم، والدعاة في المدارس والثانويات والجامعات؛ حتى ينتشر بإذن الله، وهو -كما ترون- محفوظ ومكتوب بخط واضح، فأسأل الله لي ولكم التوفيق والهداية.

أيها الإخوة الكرام: كل ما في هذا الدرس -إن شاء الله- أشبه شيء بالرسائل العامة، والبيانات التي تهم الناس جميعاً، ومن حقنا جميعاً أن نكون جبهة واحدة ضد المبطلين والمحرفين والمخذلين والمرجفين والكفرة والملاحدة شرقاً وغرباً، فالإسلام مستهدف من أعدائه من الشرق والغرب، ومن الزنادقة، والذين يريدون أن يوقعوا الأمة في حمأة الرذيلة، فالواجب علينا أن نتناصح، وأن تكون كلمتنا واحدة، ونتواصى بالحق والصبر، كما وصف الله عباده بذلك، ومن رأى منا خطأً في أخيه فلينصحه، فإن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين رضي الله عنه يقول: [[المؤمنون نصحة، والمنافقون غششة]].

<<  <  ج:
ص:  >  >>