للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[اللين وحسن الخلق]

أما بعد:

فالداعية رحيم رفيق، قريب حبيب، سهل لين، صبور شكور رحيم؛ لأن الرحماء يرحمهم الرحمن؛ ولأن إمامه محمد صلى الله عليه وسلم أرسله الله رحمة للعالمين وهو يقول: {من لا يَرحم لا يُرحم} يقول أحد العلماء: ينبغي للمسلم إذا رأى الكافر أن يتمنى إسلام هذا الكافر رحمة به وشفقة عليه أن يدخل النار.

رفيق؛ لأن الله رفيق يحب الرفق، ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: {ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه} والرفق يسهل الصعاب، ويقرب البعيد، ويلين القاسي، ويطوع العاصي، ويجذب القلوب.

قريب: فهو يدنو من النفوس، وتحبه الأرواح وتعشقه الضمائر، وتهفو إليه البشر، قريب منهم متواضع كما كان قدوته ورسوله عليه الصلاة والسلام.

حبيب؛ تحبه القلوب، تفرح إليه، تشتاق لقدومه، تأنس بطلعته: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} [مريم:٩٦].

يقول أحد الفضلاء: إذا سافرت ولم يبك عليك أصحابك، فراجع أخلاقك.

سهل لين؛ فهو كمعلمه صلى الله عليه وسلم، سهل في كلامه، فلا يتفيهق، ولا يتنطع، ولا يتشدق، ولا يتعمق، ولا يتكلف، سهل في أفعاله، فلا شطط، ولا يحملهم العبء ولا يجشمهم مشقة، صبور على الملمات والأزمات، صبور على الكربات والفواجع والحوادث والكوارث، يجوع فيصبر، يُسَب فيصبر، يُجلد فيصبر، يُحبس فيصبر، يُبكت فيصبر، يُكذّب فيصبر، يُؤذى فيصبر.

وانظروا إلى الأنبياء، أما نوح فازدجر، وأما صالح فقيل له: كذاب أشر، وأما هود فقُهِر، وأما زكريا فنشر، وأما يحيى فنحر، وأما موسى فضاق به المفر، وأما عيسى فافتقر، وأما محمد فابتلي فصبر، وأعطي فشكر، فعليهم الصلاة والسلام جميعاً، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} [النحل:١٢٧] وقال: {فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً} [المعارج:٥] وقال: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} [المزمل:١٠] {فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ} [الحجر:٨٥] {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} [آل عمران:١٥٩] {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران:١٣٤] {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [المؤمنون:٩٦].

والداعية شكور؛ شكور على النعمة، يُعطى فيشكر، يُسدد فيشكر، يُفتح عليه فيشكر، يأكل فيشكر، يلبس فيشكر، ينام فيشكر، يصح فيشكر، يمرض فيشكر، يعافى فيشكر، يبتلى فيشكر، يغتني فيشكر، يفتقر فيشكر: {وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} [آل عمران:١٤٤] {اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:١٣] {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم:٥] {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم:٧].

لك الحمد يا رحمان ما هلَّ صيب وما تاب يا من يقبل التوب مذنبُ

لك الحمد ما هاج الغرام وما همى الغمام وما غنى الحمام المطربُ

<<  <  ج:
ص:  >  >>