[النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان]
الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً.
والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدَّى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، رفع الله به رءوسنا وكانت مخفوضة، وشرح به صدورنا وكانت ضيقة، وأسمع به آذاننا وكانت صماً، وبصَّر به عيوننا وكانت عمياً، فعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
أمَّا بَعْد:
فسلام الله عليكم ورحمته وبركاته.
واعلموا أن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام هو المعصوم الذي على قوله تصحح الأقوال، وعلى فعله توزن الأفعال، وعلى حاله تقاس الأحوال، فإن الله أصلحه ظاهراً وباطناً، وسراً وجهراً، ورضيه قدوة للناس {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} [الأحزاب:٢١].
فهو عليه الصلاة والسلام معصوم لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٤] وهو بأبي هو وأمي، نفسه طيبة، وقوله طيب، وفعله طيب، فهو مبارك أينما حل وارتحل، زكَّاه الله ظاهراً وباطناً، وامتدح أخلاقه وأعماله وأفعاله وأقواله، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] وقال له: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:١٥٩] وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨].
فإذا علم ذلك، كان على المؤمن إذا أراد أن ينصح نفسه أن يتبع هذا الرسول عليه الصلاة والسلام، وأن يقتدي بكل ما أتى عنه وصح وثبت، فإنه عليه الصلاة والسلام قائد كل موحد وكل مؤمن إلى الجنة، ومن اعتقد أنه سوف يهتدي بغير الهدي الذي أتى به، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً، ولا ينظر إليه يوم القيامة ولا يكلمه، ولا يزكيه وله عذاب أليم.
فلا إله إلا الله ما أعظم ربح من اتبع أقواله، واقتدى بأفعاله، وسار على منواله، ولا إله إلا الله ما أشد خسارة من تنكَّر لشريعته، وجحد سنته، وخالف فعله عليه الصلاة والسلام.
إذا علم ذلك فإننا نريد أن نعيش معه صلى الله عليه وسلم في رمضان وفي غير رمضان، وإن كان للعمر مواهب، وللحياة بقية، وللأيام لذة فإنما هي في العيش معه صلى الله عليه وسلم.
نسينا في ودادك كل غالٍ فأنت اليوم أغلى ما لدينا
نلام على محبتكم ويكفي لنا شرفاً نلام وما علينا
ولما نلقكم لكن شوقاً يذكرنا فكيف إذا التقينا
تسلَّى الناس بالدنيا وإنا لعمر الله بعدك ما سلينا
وقد أطل علينا ضيف كريم، ووافد عظيم، وهو شهر رمضان الذي كتبه الله عز وجل على من قبلنا، كتبه للتقوى، ولترتفع الأرواح من موبقاتها، ولتتوب النفوس من شهواتها، وليراجع الناس أنفسهم مع ربهم تبارك وتعالى، فمرحباً بشهر رمضان.
مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام
قد لقيناك بحب مفعم كل حب في سوى المولى حرام
فاغفر اللهم ربي ذنبنا ثم زدنا من عطاياك الجسام
لا تعاقبنا فقد عاقبنا قلق أسهرنا جنح الظلام
فلننظر إلى هديه عليه الصلاة والسلام، وإلى هدي أصحابه الأبرار، وسلف الأمة الأخيار، كيف استقبلوا هذا الشهر.
كيف صاموه وقاموه؟
وكيف قضوا أوقاته؟
وكيف عاشوا ساعاته؟
لنكون على بصيرة، فإنه بمثلهم يقتدى، وعلى منوالهم يحتذى.
فعن طلحة بن عبيد الله: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا رأى الهلال -وعند الترمذي هلال رمضان- قال: اللهم أهله علينا باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، ربي وربك الله، هلال خير ورشد} قال الترمذي: حديث حسن.
هذا الحديث عجيب، فهو يقول للهلال: ربي وربك الله، فأنت مخلوق كما أنا مخلوق؛ لأن الأهلة والشمس والقمر كانت تعبد من دون الله، فأراد صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس ويخبر الأجيال أن الكائنات كلها مخلوقة لله سُبحَانَهُ وَتَعَالى.
فيقول: ربي وربك الله أي: فلا يحق لأحد أن يعبدك من دون الله، فالذي أهلَّك وأبداك وجملك وأبدعك هو الله! فكما أنني مخلوق لله، فأنت مخلوق لله، فأخطأ من عبدك أو توجه إليك من دون الله، وأخطأ من توجه لمخلوق من دون الله.
وفي الحديث لمسات التوحيد التي أتى بها عليه الصلاة والسلام.