للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

معنى قوله تعالى: (فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا)

السؤال الثالث: ما معنى قوله تعالى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٤٣]؟

الجواب

معنى لولا عند أهل العلم: أي: هلاَّ، إذ جاءهم بأسنا، والبأس قيل: النكبة في الحياة، وقيل: المصائب التي يبتلي الله بها الناس، وهي أخذ الله {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود:١٠٢] فمعنى الآية، يقول سبحانه: لماذا يوم أتاهم بأسنا وعذابنا ونكباتنا ومصائبنا ما رجعوا إلينا وتضرعوا وبكوا وندموا واستغفروا؟!

هذه الآية -أيها المسلمون- نعيش ظلالها هذه الأيام، فلن ينقذنا من أخذ الله ولا من عذابه ومقته وتدميره إلا الله، لا تنقذنا أمريكا ولا بريطانيا ولا فرنسا ولا دول الأرض كلها، فإن الله إذا غضب لا يقوم لغضبه أحد، فالمفر إلى الله، يقول الله: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} [الذاريات:٥٠] والذي يعتقد أن قوة الأرض وأركان الأرض هم الذين يحولون بينه وبين أخذ الله فهو جاهل، فعلينا أن نحفظ النعم بالشكر، البلد الذي رأيناه بلداً ناعماً سعيداً، بات هادئاً وما علم أنه سوف يجتاح في الصباح.

يا راقد الليل مسروراً بأوله إن الحوادث قد يطرقن أسحارا

سبحان الله! يحدثنا أحد تجار الرياض يقول: ذهبت إلى الخفجي؛ لأستقبل الرعايا واللاجئين الذين خرجوا من الكويت فلقيت تاجراً صديقاً لي يقول: أمواله بالملايين المملينة من أكبر تجار الخليج، قال: فلما رآني وكنت أوزع على الناس من مائة ريال يأخذون بها ماء وببسي، قال: فلما رآني هلت دموعه حتى جلس، فقال: يا فلان! والله ما تعودت آخذ وأنت تعرفني كنت أنفق الأموال والشيكات، والله إني كنت ألعب بالملايين في ليلة واحدة وفي يوم واحد، وأصبحت والله لا أملك ما أملأ به سيارتي وقوداً، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ} [هود:١٠٢] {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} [النحل:١١٢] فالقوى لا تحمينا، فالله إذا غضب لا يقوم لغضبه أحد، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود:١٠٢] وقال: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً} [الطلاق:٨].

انظر التعبير! عتت: تمردت على آيات الله، قرية ناعمة لكن لا يصلي أهلها في المساجد، ويخرجون على شريعة الله، ويتعدون حدود الله ويسهرون على معاصي الله: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً * فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْراً} [الطلاق:٨ - ٩] ولسنا من الشامتين على أبناء الكويت المسلمين، فهم إخواننا، وهم المهاجرون ونحن أنصارهم.

سيصغي له من عالم الغيب ناصر ولله أوس آخرون وخزرج

ولكن علنا نعتبر فإياك أعني واسمعي يا جارة! والله يقول: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى} [الأحقاف:٢٧].

يقول: انظروا الشعوب حولكم! كيف دمرناهم، فلماذا لا تراعون أمر الله؟! هذا من ظلال الآية.

ومعنى تضرعوا: عادوا إلى الله، فقد كان السلف إذا أتت حروب على الحدود يلجأون إلى المساجد بقيادة الخلفاء، ويكثرون من النوافل ومن دعاء النوازل ومن البكاء.

وقعت في المدينة هزة خفيفة، يقولون: سقطت بعض الحوائط، وكان الخليفة هو عمر، فقد كان هو المسئول، فلما وقعت الهزة وقعت بعض الحوائط والجدران، فصعد المنبر ونادى في الظهيرة الصلاة الصلاة، فاجتمع الناس، فخطبهم وبكى، وقال: ما هذه الهزة؟ قالوا: من الله، قال: أنا أدري أنها من الله، ولكن ما سببها؟ قالوا: لا ندري، قال: لا تدرون {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم:٤١].

والذي نفسي بيده لو تكررت هذه الهزة لا أجاوركم في المدينة بعدها، قالوا: ماذا نفعل؟ قال: توبوا إلى الله وتضرعوا؛ فإن الله يقول: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام:٤٣].

قال أهل التاريخ: هبت ريح شديدة على بغداد، وأخذت بعض الشجر، وهدمت بعض البيوت، والخليفة في ذلك الوقت هو هارون الرشيد، فنزل من قصره، ودخل المسجد، وكشف البساط، ووضع خده، وقال: والله يا رب! لا أرفع خدي حتى تهدأ الريح؛ لأنك إن قتلت أمة محمد فبسبب ذنوبي، قالوا: فما رفع رأسه حتى هدأت الريح واطمأنوا إلى رحمة الله عز وجل.

<<  <  ج:
ص:  >  >>