للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[سبب الإشارة إلى الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: "عبدنا"]

يقول: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة:٢٣] من هو عبده؟ إنه محمد عليه الصلاة والسلام، ولم يقل رسولنا، ولم يقل نبينا، لسببين:

السبب الأول كما يقول أهل العلم: بأن الله نادى الناس في أول المقطع بعبادته، فقال: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:٢١] فكأنه يقول:

مثل محمد عبدنا، ولم يقل رسولنا، والله إذا أراد أن ينبه الرسول عليه الصلاة والسلام على قضية في بيته قال: يا أيها النبي.

وإذا أراد أن يخبره بقضية من قضايا الرسالة قال: يا أيها الرسول، واسمع إلى قضايا الرسالة: {يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس} [المائدة:٦٧] {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ} [الأحزاب:١] ثم يتحدث عن الزوجات: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:٥٩] فهو يناديه في هذه القضايا الاجتماعية بالنبي، ويناديه بالرسالة للعالمين، ويناديه بالعبودية في موطن التشريف، فيقول: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:٢١] مثلما فعل عبدنا صلى الله عليه وسلم فهو أعبد الناس وأعرفهم.

وإذا أراد الله أن يتحدث عن التوحيد والشرك قال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦] وفي صحيح البخاري في كتاب العلم، عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث} ولم يقل: أرسلني، وإنما قال: بعثني؛ لأنه بعث بالتوحيد، فكأنه بعث في أموات، وأحمد شوقي -أمير الشعراء كما يسمونه- يقول:

أخوك عيسى دعا ميتاً فقام له وأنت أحييت أجيالاً من الرمم

يقول: إن كان عيسى عليه السلام يبرئ ويحيي الموتى بإذن الله، فأنت أحييت شعباً وجيلاً وملايين من الناس، فالناس الذين يحيون الآن، وآلاف مؤلفة ممن ماتوا، وآلاف وملايين ممن سوف يأتون كلهم يحيون بالحياة التي أتى بها صلى الله عليه وسلم.

قال: والسبب الثاني في موطن التشريف له صلى الله عليه وسلم، يقول: أنت عبدنا، فإذا زكاه الله قال: عبدنا، ولذلك يأبى الرسول عليه الصلاة والسلام، أن يرفعه أحد عن درجته: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء:١٧١].

<<  <  ج:
ص:  >  >>