[حال سفيان الثوري مع الموت]
كان سفيان الثوري رحمه الله تعالى إذا جلس مع الناس؛ يجلس قليلاً وهو يسبح ثم ينتفض ويقف, فيقولون له: ما لك يا أبا سعيد؟ قال: والله ذكرت الموت.
إذا أردتم ترجمة سفيان فعليكم بحلية الأولياء , اقرءوا كيف كانوا يتذكرون الموت ويعدون للموت, كان أحدهم يتذكر الموت وهو في مجلس التحديث ويقطع الفتوى, فيقطع الموعظة ويبكي حتى يقولون: كأنه يصرع من البكاء, ثم يقول بأبيات الصلتان السعدي:
أشاب الصغير وأفنى الكبير كر الغداة ومر العشي
إذا ليلة هرّمت يومها أتى بعد ذلك يوم فتي
نروح ونغدو لحاجاتنا وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته وتبقى له حاجة ما بقي
يسألونه ويقولون له: يا أبا سعيد! ما حكم كذا وكذا؟ فيقول: والله ما أدري ما تقول أيها السائل! يقول: كيف لا تدري وأنا أتكلم بالعربية؟ قال: والله لقد أنساني الموت كل شيء, ولذلك يقول الذهبي: كان سبب موت سفيان الثوري أن ذكر الموت فتت كبده, حتى عرض ماؤه على طبيب فقال: هذا الرجل لا يعيش أكثر من ثلاثة أيام, هذا الرجل لا يتمتع بالحياة أكثر من ثلاث ليال, هذا رجل فتت ذكر الموت كبده, قرأ سورة التكاثر في العشاء, فبقى يرددها ويبكي حتى الصباح, وكان يبكي أهله وجيرانه من بكائه رضي الله عنه وأرضاه؛ لأنه علم علم اليقين, يقول الله سبحانه وتعالى: {كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ} [التكاثر:٥] لأن علمنا بالآخرة علم ظن لا علم يقين, ندري أننا سوف نموت, وندفن الأجداد والآباء، والأمهات والإخوان، لكن هذا علم ظني نظري لم يتعمق في قلوبنا, وإلا لو تعمق في قلوبنا؛ لكنا أقبلنا على الله, واتجهنا إلى الله, وأتينا إليه بهمة وعزيمة, وحفظنا أوقاتنا مع الله, لكن نحن نعرف أننا مسلمون وأننا سوف نموت, ويقولون: هذه حياة والله غفور رحيم!! وهذه كلمات جوفاء.