[عزة ربعي بن عامر بالإسلام]
يدخل قائد من قوادنا، بل جندي من جنودنا في قادسية (لا إله إلا الله) القادسية التي خاضها سعد بن أبي وقاص ضد رستم وكسرى أنو شروان.
فيكتب رستم لـ سعد بن أبي وقاص قبل المعركة بثلاثة أيام ويقول له: أرسل لي جندياً من جنودك أتحدث معه.
ومقصود رستم أن يرى هذا الجندي ويرى انتماءه وجنسيته ويرى كلامه؛ لتكون مصداقية المعركة على هذه المفاوضات.
فاختار سعد رضي الله عنه وأرضاه شاباً زاهداً عابداً ولياً من أولياء الله؛ لأن القلب إذا عمرته (لا إله إلا الله) تحركت الجوارح بمبدأ (لا إله إلا الله) والله عز وجل يقول في الحديث القدسي: {ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنتُ سمعه الذي يسمع بها، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها}.
فاختار سعد رضي الله عنه ربعي بن عامر، وقال: اذهب، وفاوض رستم.
فماذا فعل ربعي بن عامر؟ هل غير من لباسه هيئته؟ لا.
إن الفخر لك أن تكون مسلماً، وأن تكون في هيئتك ولباسك وسنتك، وفي المعالم التي أتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعض الناس قد يصيبه خجل وحيرة إذا سافر إلى بلاد أخرى أن ينتسب للإسلام، أو أن تظهر عليه معالم السنة، وقد يجد غضاضة، أما ربعي بن عامر فلم يغير من هيئته أبداً.
أتى برمح في يده ملفوف في لفائف من قماش لأنه ما وجد غمداً له، وأتى بفرس معقور عنده، ودخل على رستم، فصف رستم قواده؛ ليرهب هذا الجندي لعله أن يختلط في الكلام، أو أن يحتار في الحديث، أو أن يضحك عليه القواد والوزراء.
فجلس رستم وعليه التاج من الذهب، وحوله قواده ووزراؤه ومستشاروه، ودخل ربعي بن عامر يقود فرسه على بساط رستم، فيقول له الحارس: اربط الفرس خارج الخيمة، وكان في الصحراء، قال: والله! لأدخلن بفرسي، فإن شاء أن أدخل وإلا عدتُ، فإنه هو الذي دعاني وما طلبت مقابلته، فقال رستم: دعوه يدخل، فدخل وبيده الرمح، فلما رآه رستم ضحك وقهقه، وقال لـ ربعي بن عامر ومعهما الترجمان: جئتم تفتحون الدنيا بهذا الرمح المُثلَّم، وبهذا الفرس المعقور، وبهذه الثياب الممزقة؟
فماذا يقول له ربعي؟ اسمع للذي تربى على القرآن ودرس في مدرسة محمد رسول القرآن صلى الله عليه وسلم يقول: نعم.
إن الله ابتعثنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام.
فاحتار رستم في هذا الجواب الذي كأنه صواعق.
فقال لـ ربعي بعد أن حلف بإلهه: لا تغادر خيمتي حتى تحمل من تراب الخيمة على رأسك -إهانة له- فضحك ربعي بن عامر، وقال: هذا أول النصر إن شاء الله.
وهذا يشير إلى أننا سوف نملك أرضكم وقصوركم ودياركم وأرضاً لم نطأها، فحمله شيئاً من التراب على صحفة وخرج به، فالتفت إليه الوزراء، وقالوا له: أسأت، إن هذا معناه أنهم سوف يملكون أرضنا، قالوا: ردوه إلينا، فذهبوا وراءه فلم يجدوه؛ لأنه قد وصل إلى جيش الإسلام.
فلما رآه سعد أقبل، قال: ماذا على رأسك؟
قال ربعي: تراب سلمنيه من أرضه.
قال سعد: الله أكبر! إنا إذا دخلنا قرية قوم فساء صباح المنذرين، فكبر المسلمون.
فقال رستم في رسالة إلى سعد: أنظرني يومين قبل المعركة، فأنظره سعد يومين، فلما حضرت صلاة الظهر، قال رستم: أخرجوني لأرى هؤلاء البدو كيف يصلون وكيف ينتظمون، فأخرجوه في صلاة الظهر، وكان عدد جيش رستم مائتي ألف، وجيش الإسلام اثنان وثلاثون ألفاً.
انظر إلى البَون الشاسع بينهما؛ ولكن الله ذو القدرة الغالبة، ومن اعتمد على الله انتصر، فإنه الركن.
فاشدد يديك بحبل الله معتصماً فإنه الركن إن خانتك أركانُ
فيأتي سعد يصلي بهم صلاة الظهر وهو القائد، فيكبر فيكبر بعده اثنان وثلاثون ألف مقاتل، ويركع فيركعون بعده، ويرفع فيرفعون بعده.
فيأتي رستم يعض على أصابعه ويقول: علم محمد الكلاب الأدب.
بل علم الأسود الأدب عليه الصلاة والسلام.
ويأتي صباح نهار المعركة، فما يثبتون أمام (لا إله إلا الله) يزحف عليهم جيش الإسلام، فيتكسرون أمام الزحوف والكتائب.
وبعد ثلاثة أيام يأخذ سعد رضي الله عنه الأرض بما فيها، كنوزاً وذهباً وفضة وجنوداً ومقاتلين وقصوراً ودوراً، ويدخل إيوان كسرى، إيوان العمالة والضلالة، فيبكي سعد ويقول: صدق الله حيث يقول: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنْظَرِينَ} [الدخان:٢٥ - ٢٩].
نعم.
كنا ننتصر على الناس، وكانت ترتفع رءوسنا يوم كان انتسابنا حقاً إلى الله، وإلى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم.
ولذلك يقول الأول:
ومما زادني شرفاً وفخراً وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبيا
هل هناك شرف أعظم من أن تنتسب إلى رسالة الإسلام؟ وهل هناك جنسية يمكن أن تفرض نفسك على العالم بها غير الإسلام؟
فالإسلام الرسالة الخالدة.