[دعاء الرسول لسعد بن أبي وقاص]
ومن أعظم من أجيبت دعوته: سعد بن أبي وقاص، خال الرسول عليه الصلاة والسلام، كان عليه الصلاة والسلام إذا جلس مع الصحابة وأقبل سعد بن أبي وقاص -وكان رِبْعَةً متيناً كثير شعر الساعدَين والصدر- قال: {هذا خالي، فلْيُرِنِي امرؤ خاله} بمعنى: أخرجوا لي أخوالكم إن كانوا مثل هذا الخال، وكأنه تحدٍّ، وكلامه صلى الله عليه وسلم صدق وحق؛ لأن له مساراً في التاريخ، فهو الذي دَكْدَكَ امبراطورية كسرى تحت قدميه.
حتى إن عمر قال: [[مَن يقود جيش القادسية؟ قالوا: رأيك يا أمير المؤمنين.
فقال: أنا]].
أي: أن الأزمة أصبحت إلى حد أن الخليفة الراشد يضطر إلى قيادة المعركة، ومعنى ذلك: تصفية ومقامرة ما بعدها مقامرة، إما أن ينتهي الإسلام أو أن تنتهي المجوسية ودين الصابئة وعباد النار، فقال عمر: [[أنا قائد المعركة]].
قال علي بن أبي طالب: [[يا أمير المؤمنين، ابقَ في المدينة فإنك إن ذهبتَ ذهب الإسلام، وكن فيئاًَ للمؤمنين إذا عادوا لك فقال عمر: أصبتَ، أصاب الله بك الخير يا أبا الحسن؛ لكن التمسوا لي قائداً]] فباتوا في الخيام وفي البيوت، ثم أقبل عبد الرحمن بن عوف -أحد العشرة- يُوَلْوِل، فقال لـ عمر: [[وجدتُه، الأسد في براثنه، قال: من هو؟ قال: سعد بن أبي وقاص.
قال: صدقتَ]].
فولاه عمر، ورغم أنه كان مريضاً في المعركة، ولكن ببركته ولشجاعته ولرأيه وإقدامه كسب المعركة على مر التاريخ، وسحق الكفار سحقاًَ ما بعده سحق.
يقول علي في معركة أحد: {ما سمعتُ الرسول صلى الله عليه وسلم يُفَدِّي أحداً إلا سعداً}.
أي: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: فداك أبي وأمي لأحد، لا لـ أبي بكر، ولا لـ عمر، إلا لـ سعد.
كان يعطيه صلى الله عليه وسلم الأسهم وقد كان رامياً من الدرجة الأولى، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله في بدر، فيقول: {ارمِ سعدُ فداك أبي وأمي} حتى أنه قيل: لو ضُرِبَ به في الشمال والهدف في الجنوب لأصابه بإذن الله.
دعها سماوية تجري على قدرٍ لا تفسدنها برأي منك منكوسِ
{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال:١٧].
رمى بك الله جنبيها فحطمها ولو رمى بك غير الله لَمْ يصب
فكان صلى الله عليه وسلم يعطيه الأسهم ويدعو له، وكان يتطاول حتى يستبشر أين يقع السهم، فيقع في عين الكافر ويموت، فيتبسم صلى الله عليه وسلم هكذا في السير، ولكم أن تعودوا إليها.
فكان يقول: {ارمِِ سعد فداك أبي وأمي} ويلتفت صلى الله عليه وسلم ويرفع يديه ويقول: {اللهم أجب دعوته، وسدد رميته}.
فكان مجاب الدعوة.
وفي صحيح البخاري: [[أن عمر رضي الله عنه أرسله أميراً على أهل العراق -وبالخصوص أهل الكوفة وهم مشاغبون، ولو نزل عليهم ملك من السماء لاشتكوا منه- ذهبوا إلى عمر، فقال: ماذا تنقمون من سعد؟ قالوا: ما يحسن الصلاة بنا -اسمَعوا الكلام! - فأتى سعد رضي الله عنه.
فقال له عمر رضي الله عنه: يا أبا إسحاق! زعم أهل الكوفة أنك لا تحسن أن تصلي بهم.
فقال: عجباً لبني أسد! والله الذي لا إله إلا هو لقد أدخلتهم في الإسلام بسيفي هذا، ثم أصبحوا يعرفونني بالصلاة -فأراد عمر أن يسمع من الكل، وأن يعيش الحوار، وأن يعيش الشورى، وأن يسمع الشكوى على مبدأ (لا إله إلا الله) على مبدأ العدل، فكون لجنة يرأسها محمد بن مسلمة - وقال: مُرُّوا على مساجد الكوفة وأعطوني نتيجة سعد بن أبي وقاص -هذه تسمى أوراق استبيان ونتائج الاقتراع- فمروا، فوجدوهم كلهم يثنون عليه خيراً؛ إلا شيخاً كبيراً قال: إن سألتمونا عن سعد؛ فإنه لا يحكم بالسوية، ولا يعدل في الرعية، ولا يمشي مع السرية.
فقام سعد وكان جالساً، وقال: اللهم إن كان قام رياءً وسمعة وكذباً عليَّ فأطل عمره وأطل فقره وعرضه للفتن.
فطال عمره حتى سقط حاجباه على عينيه، وأخذ يتعرض للفتيات والبنات في شوارع الكوفة يَغْمِّزُهُنَّ، ويقول: شيخ مفتون، أصابتني دعوة سعد]].
فـ سعد كان متفوقاً في الدعاء؛ لأنه أطاب مطعمه، ولِمَا عَلِمَ اللهُ من إخلاصه وقربه.
ويُروى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: {يا سعد! أطب مطعمك تستجب دعوتك} ولكن في هذا الحديث ضعف.