للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[حياة النبي صلى الله عليه وسلم قدوة لكل مسلم]

الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته كان يصارع الأحداث التي لا يسلم منها أحد، ولذلك لا يتعاظم أحدكم أن يعيش مع أهله في البيت قضية اختلاف أو طلب نفقة أو جدل، فالرسول صلى الله عليه وسلم عاش هذه الأحداث، ليكون أسوة لكل مسلم، إن كنت راعي غنم فالرسول صلى الله عليه وسلم كان راعي غنم، وإن كنت تاجراً فالرسول صلى الله عليه وسلم كان تاجراً، وإن كنت معلماً فالرسول صلى الله عليه وسلم كان معلماً، وإن كنت إدارياً فالرسول صلى الله عليه وسلم كان إدارياً، ومفتياً فهو مفتي، أو خطيباً فقد كان خطيباً، وكل صورة تمر بالإنسان سوف يجد في الرسول صلى الله عليه وسلم لها ما يناسبها، ولذلك كان بالإمكان أن يستغني صلى الله عليه وسلم عن الزواج وعن مراعاة الأهل، والقيام مع المرأة والأخذ والعطاء، وتضييع الوقت في الكلام والجدل؛ لكن الله أراد منه أن يكون إنساناً يعيش أحداث الأمة، ويعيش آلامها وآمالها، ويكون رباً للأسرة عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك يقول الله له: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:٣٨] فكان يحمل الأطفال صلى الله عليه وسلم.

أفضل من خلق الله يأتي في صلاة العصر يحمل أمامة بنت بنته، فإذا سجد وضعها في الأرض وإذا قام حملها، والآن بعض الناس يأنف أن يحمل طفلته أمام الناس حتى في الشارع، ويتكبر أن يأتي بها في المجالس، يقول: ما هي هذه الأطفال؟ (هذه غلابة) كما يقولون: غلبونا وضيعوا أوقاتنا؛ لكن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يحمل الأطفال.

تأتي المرأة السائلة وطفلها بين يديها، فيأخذ الطفل صلى الله عليه وسلم إلى حضنه، أي خلق هذا؟! ولذلك يقول الله من فوق سبع سماوات: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم:٤] وهو حقاً عظيم ما سمع الناس بمثله! يبول الطفل على ثيابه صلى الله عليه وسلم -كما في صحيح مسلم - فيأتي بماء ويتبعه به، فانظر كيف يعيش هذه الأحداث، فغسله لهذا الأمر سنة، وأخذه للطفل سنة، وإفتاؤه لوالدته سنة، فكلامه وفعله وحركاته وسكناته سنة يقتدى به صلى الله عليه وسلم إلا ما خصه الدليل هذا في بيته.

كان في بيته كما تقول عائشة: {ضحاكاً بساماً} إذا دخل ملأ البيت سكينة وارتياحاً، وسروراً وحبوراً ودعابة، وكان يقطع مع نسائه اللحم، يمسك اللحم وهي تقطع بالسكين، أو يأخذ ويقطع وهي تمسك اللحم، وهو شفيع الأولين والآخرين يوم القيامة، والذي جاء برسالة سوف تبقى أبد الدهر، كل قائد من قواد المسلمين حسنة من حسناته، وكل عالم من علماء المسلمين حسنة من حسناته، كان يخصف النعل صلى الله عليه وسلم، ويرقع الثوب، ويكنس البيت ويكون في الخدمة، وما يزيده الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلا شرفاً ومكرمةً.

<<  <  ج:
ص:  >  >>