إن أعظم قضية نتدارسها في هذه الندوة هي قضية توحيد الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى بالألوهية، أي بالعبودية التي هي صرف العبادة إليه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا التوحيد الذي دعا إليه الرسول عليه الصلاة والسلام فكان بينه وبين المشركين الحروب الطاحنة حتى نصره الله عليهم؛ لأنه ما انقاد وأذعن له صلى الله عليه وسلم بعد أن أوضح لهم بالبراهين إلا القليل منهم، وأما غيرهم فكذب، فكان بينهم وبينه صلى الله عليه وسلم الحروب التي كان في نهايتها النصر له صلى الله عليه وسلم وبالتالي نصرة لا إله إلا الله وبقاؤها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وأعظم ذنب في الدنيا هو الشرك بالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فإن أعظم جريمة يتلبس بها الإنسان أن يشرك بالله عز وجل ويجعل معه إلهاً آخر، فيصرف له شيئاً من العبودية والدعاء والتوجه، هذا أعظم ذنب وأكبر جريمة، ولذلك يغفر الله ما دون ذلك من الزنا والسرقة وشرب الخمر والذنوب التي لا يسلم منها البشر لمن يشاء، أما الشرك بالله فلا يغفره الله أبداً إلا بالتوبة، وصاحبه خالد مخلد في نار جهنم، لا يفتر عنه العذاب، ولا يخرج من النار، ولا يقبل الله منه عملاً مهما عمل ما لم يتب، ولا يشفع فيه الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، ولا يخرج من النار أبداً ولا بد أن تفهم هذه القضية.
فمن أجل قضية التوحيد، وإفراد الله تعالى بالعبودية أرسل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام وكل رسول منهم يقول:{اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}[الأعراف:٥٩] ولم يقل: ما لكم من رب غيره؛ لأن قومه معترفون أن الرب هو الله، لكنهم لم يجردوا العبودية له.
ومن أجل هذه العقيدة -عقيدة لا إله إلا الله- دمرت الأرض خمس مرات، دمرها الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى حينما غضب على أهلها من أجل لا إله إلا الله، مرة بالطوفان، عندما اجتاح الماء الديار والبلاد والجبال والأودية في عهد نوح عليه والسلام؛ لأن قومه كذبوه وما انقادوا للا إله إلا الله، ومرة بالريح الصرصر، ومرة بالصيحة، ومرة بالخسف والمسخ، ومرة بالهلاك بالأوبئة والأمراض؛ لأن أكبر ما يغضبه سُبحَانَهُ وَتَعَالَى أن يشرك معه في العبودية والألوهية، ولكن بقيت بقايا من تلك الأمم آمنوا بالله عز وجل، فأنقذهم الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى من ذلك الغضب.