[نور القبور]
وهذا رسولنا عليه الصلاة والسلام، وقد خرج في جنازة -والحديث في صحيح مسلم - فلما وصل المقبرة دعا للموتى وقال: {إن الله ينور عليهم قبورهم بدعائي}.
وعند الترمذي أن الرسول عليه الصلاة والسلام.
وقف على جنازة فدعا لصاحبها: {اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، اللهم عافه، اللهم اعف عنه، اللهم افسح له في قبره ونور له فيه، قال عقبة بن عامر: فوددت أنني أنا الميت،} فالنور هنا معنويٌ وحسي، نور الطاعة والعمل الصالح، ونور يوسع لك في القبر.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الفرقان: "وقد رئى قبر الأحنف بن قيس، وهو أحد الصالحين وقد وسع له مد البصر لما دفنه الناس" رأوه بأعينهم وهم أحياء بعدما دفنوه، فوسعه الله عز وجل له، وصح عنه صلى الله عليه وسلم، أن قال: {إن هذه القبور مملوءة ظلمة، وإن الله ينورها بدعائي لهم} فالدعاء نور.
وعند صاحب الحلية من حديث مطرف بن عبد الله بن الشخير، أنه كان يمر بالمقبرة من الكوفة إلى البصرة ليصلي الجمعة، فكان يمر على المقابر فيدعو لهم، ويقول: لا إله إلا الله، فمر ليلة من الليالي فما وقف؛ لأن الجو كان بارداً عليه، فذهب فرأى في المنام قائلاً من أهل المقابر يقول -والمنامات لا يعقد عليها عقائد ولا عبادات ولا حلال ولا حرام، ولكنها مبشرات-: يا بن الشخير حرمتنا الليلة من دعائك، والله الذي لا إله إلا هو إن الله ينور علينا قبورنا بدعائك أسبوعاً كاملاً، وقال له: أكثر من قول لا إله إلا الله فقد حيل بيننا وبين لا إله إلا الله.
{وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [سبأ:٥٤] فهم يشتهون أن يقولوا لا إله إلا الله، ويقولوا: سبحانه الله فما يستطيعون.
أتيت القبور فناديتها فأين المعظم والمحتقر
تفانوا جميعاً فما مخبر وماتوا جميعاً ومات الخبر
فالله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى ينور القبور بالدعاء، والدعاء نور، والرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما عند أبي داود والترمذي وأحمد وابن ماجة: {بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة}.
طوبى لك يا من مشيت إلى بيت من بيوت الله في ظلمة الليل بنور يسعى بين يديك يوم العرض الأكبر!
طوبى لك يا من سريت إلى علم أو فهم أو دعوة بنورٍ تام!
طوبى لك يا من وصلت رحمك بنور تام.
طوبى لك يا من بررت والديك بنور تام.
طوبى لك يا من وصلت أرحامك بنور تام!
{بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة}: {يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [الحديد:١٢] ما أحوجنا إلى النور، وما أفقرنا إلى النور: {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:٤٠] نعوذ بالله أن ينطفئ نورنا، وأن يطمس نورنا، ويذهب.
والرسول عليه الصلاة والسلام ذكر أن النور إذا دخل القلب انفسح وانشرح بإذن الله، وعلى ذكر المرور في الظلمات، قال أبي بن كعب كما في السنن: {كان رجل من الأنصار لا أعلم رجلاً أبعد منه من المسجد، فقال له الناس: لو اتخذت حماراً تركبه في الرمضاء والظلماء، قال: لا والله! إني أسأل الله أن يجعل لي نوراً، وأن يكتب ممشاي ورجوعي من بيتي إلى المسجد، ومن المسجد إلى بيتي، فأخبر الرسول عليه الصلاة والسلام، فقال: بشروه أن الله كتب له ذلك كله}.