[جزاء المتكبرين]
في صحيح مسلم عنه عليه الصلاة والسلام: {أنه كان جالساً ورجل من الناس يأكل بشماله} وبعض الناس يتكبر حتى في الأكل، فتجد مسلماً يصلي ويحج ويعتمر، لكنه لا يأكل باليمين، ويظن التقدم والديمقراطية أن يأكل باليسار، حتى يقول: الأكل باليمين، أو تربية لحى، أو تقصير الثياب كل هذه قشور، يجب أن يكون الإسلام سمحاً، وأنتم ما فهمتم الإسلام، فهو يريد إسلاماً أمريكياً، فأتى الرجل يأكل باليسار، فقال صلى الله عليه وسلم: {كُلْ بيمينك، قال: لا أستطيع، قال: لا استطعت -هذا دعاء- ما منعه إلا الكبر، قالوا: فما رفعها إلى فمه} يبست وجفت، وأصبحت كالعود صلبة، فما رفعها إلى فمه؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام دعا عليه.
وخرج عليه الصلاة والسلام يعرض دعوته على أهل الطائف فما منعهم إلا الكبر، قال أحدهم: ما وجد الله إلا أنت يرسلك، وقال الثاني: أنا أسرق ثياب الكعبة إن كان الله أرسلك، وقال الثالث: إن كنت نبياً فأنت أعلا من أن نكلمك، وإن كنت لست بنبي أو كذاب فإنا لا نكلم الكذابين، فما أجابوه، هذا الكبر من المدعوين.
وقال سبحانه عن المتكبرين من المدعوين: {أَبَشَراً مِنَّا وَاحِداً نَتَّبِعُهُ} [القمر:٢٤] ولذلك بعض الناس أحرمهم الكبر دخول الجنة والسعادة والاستقامة في الدنيا والآخرة، يتكبر لماذا؟
خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد
صاح هذي قبورنا تملأ الرحب فأين القبور من عهد عاد
مر أحد الأمراء بـ الحسن البصري وعليه ديباج وحرير، ومعه موكب، فقام الناس لهذا الأمير إلا عالم التابعين الحسن البصري ما قام، قال الوزير: ما عرفتني؟ قال: بل عرفتك، قال: من أنا؟ قال: أولك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذيتك تحمل العذرة، فسكت وخجل ثم أدبر.
هذه هي الحياة، العز عز التقوى وعز الاستقامة، لا كبير على الله عز وجل يقول سبحانه: {الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري؛ من نازعني فيهما قصمته} وفي رواية: {عذبته} حديث صحيح ولذلك يقول أحدهم في المتكبرين:
وجوههم من سواد الكبر عابسة كأنما أوردوا غصباً إلى النار
هانوا على الله فاستاءت مناظرهم يا ويحهم من مناكيد وفجار
ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً أهدوك من نورهم ما يتحف الساري
من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم مثل النجوم التي يسري بها الساري
إن الذي منع قوم شعيب أن يتبعوه أنه ضعيف، لما قرأ ابن عباس قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ} [هود:٩١] قال ابن عباس: ضعيفاً: أعمى، فقالوا: أنت ضعيف وفقير فلا نتبعك، لماذا لم يبعث الله غيرك؟ وقد قال سبحانه: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} [الأنعام:٥٣] وقال سبحانه: {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:١٢٤] فالله أعلم من يصلح للخير ممن لا يصلح.
ولذلك بعض الأسر لا تستجيب لبعض الدعاة، يقول أحدهم: يأتي فلان يدعوني وهو أقل مني طبقة في المجتمع، يدعوني وهو فقير، يدعوني ولا منصب له، وما علم أن الدعوة ملك للجميع، ولذلك ما صد عن منهج الله شيء كالكبر.