للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ما معنى العبادة؟]

العبادة تطلق على معنيين:

١ - معنى العبادة اللغوي:

وهي التذلل والخضوع والطاعة, يقال: طريق معبد أي: طريق مذلل, فتعبد: خضع وذل, وإنما سمي العبد عبداً؛ لأنه خضع وذل, قال الشاعر:

أطعت مطامعي فاستعبدتني ولو أني قنعت لكنت حرا

قال ابن تيمية: المأسور من أسره هواه، فهذا المقيد والمكبل, وليس المأسور الذي سجن في السجن، إن المأسور الذي قيده هواه من حب الشهوة والمعصية والجريمة, هذا هو المأسور الذي وضع الغل والحديد في يديه.

إذاً العبادة معناها في اللغة: التذلل والخضوع والطاعة.

٢ - معنى العبادة في الشرع:

تطلق على معنيين في القرآن: على الدعاء وعلى مجرد العبادة, قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:٦٠] أي: عن دعائي, وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف:٥٥] هذا هو المعنى الأول للعبادة أنها بمعنى الدعاء.

والعبادة تشمل الدعاء وغيره من أنواع العبادات, وعند الترمذي: {الدعاء مخ العبادة} وهو حديث ضعيف، في سنده دراج أبو السمح , يروي عن أبي الهيثم , وأحاديثه ضعيفة عن أبي الهيثم , وإنما الصحيح: {الدعاء هو العبادة} وهذا عند الحاكم في المستدرك , فإذا رأيت الإنسان يكثر الدعاء, فاعلم أنه قريب من الله, وأن إيمانه كثير.

قالوا عن إبراهيم عليه السلام في قوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [هود:٧٥] قالوا: كان كثير الدعاء, وقالوا: كان يقول: أواه من ذنوبي أواه من خطئي أواه من تقصيري وإسرافي وقيل: كان يدعو الله دائماً: قائماً وقاعداً.

دخل رجل على قيس بن سعد بن عبادة بن دليم , وهذا السند, سند الكرماء عند العرب, فـ قيس من أكرم العرب, وسعد من أكرم العرب, وعبادة من أكرم العرب, ودليم من أكرم العرب, ولم يجتمع في العرب أربعة من أكرم الناس إلا هؤلاء الأربعة.

سندٌ كأن عليه من شمس الضحى نوراً ومن فلق الصباح عمود

يذكر ابن كثير: أن رجلاً دخل على قيس فوجد أصبعه السبابة لا تفتر, قال: تعشيت عنده, وسامرت معه, فلما أردت الانصراف سألته: ما حال أصعبك؟ قال: أدعو بها الله دائماً.

ولذلك هداه الله سواء السبيل وكان من الموفقين في حياته.

والذي يكثر من الدعاء لن يهلك أبداً, قال عمر: [[لن يهلك مع الدعاء أحد]] وقال أحد علماء الجزائر أيام الثورة في الجزائر: "رأيت عمر بن الخطاب في المنام فقلت: ما هي النجاة يا أبا حفص؟ فرفع يديه هكذا -أي: الدعاء-, وفي الترمذي قوله صلى الله عليه وسلم: {أفضل العبادة انتظار الفرج} فلا تزال تدعو الله حتى يفرج الله كربتك.

وفي الحديث الصحيح: {لا يقولن أحدكم: دعوت فلم يستحيب لي} أو كما قال صلى الله عليه وسلم, ولا يجوز لك في الدعاء أن تقول: اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت اللهم أصلحني إن شئت هذا خطأ, بل قل: اللهم ارحمني, يقول عليه الصلاة والسلام وهو حديث صحيح: {لا يقولن أحدكم: اللهم اغفر لي إن شئت, فإن الله لا مكره له، لكن ليعزم المسألة} , لكن يجوز لك في المواعيد أن تقول: آتيك غداً إن شاء الله, قال تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:٢٣ - ٢٤] سوف ألقاك إن شاء الله, سوف أتصل بك إن شاء الله، أما في الدعاء فاعزم المسألة ولا تتردد، فإن الله لا مكره له.

<<  <  ج:
ص:  >  >>