للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معنى: شديد بياض الثياب]

{إذ طلع علينا رجل -اسمع الأوصاف- شديد بياض الثياب} وهذا أمر طيب، وهو شعار المسلم، والمسلم يحب البياض، ويلبس البياض، ويرتاح للبياض إلا للحاجة، وعند الإمام مالك في الموطأ قال عمر بسند صحيح: [[يعجبني أن يكون لباس القارئ أبيضاً]] حتى أبو مسلم الخراساني الذي قتل ألف ألف من المسلمين وذبحهم، يقول الذهبي: وقف أبو مسلم الخراساني، وعمامته سوداء، ولباس الثوب أسود، وكل قطعة فيه سوداء؛ لأن شعار دولة بني العباس السواد، وقف على المنبر فاعترض عليه أحد الرعية وسط الخطبة وقاطعه، وأبو مسلم هذا يقطر دماً ويتكلم بالدم، وسيفه يقطر دماً، قتل ألف ألف، فقال له هذا المسلم: يا أبا مسلم! ما لك تلبس السواد والرسول عليه الصلاة والسلام يقول: {البسوا البياض وكفنوا فيه موتاكم}؟ وأقول للسائل: ليتك ما أوردت هذا السؤال! رجل يقتل الرقاب، ويأخذ الحرمات، ويأكل الأموال، وتعترض عليه في لباسه!

مثل أحد السلاطين الطغاة، كان عنده حرس يسبلون ثيابهم، وهذا الطاغية يقتل الأنفس ويمزق الأعراض، فقال له الواعظ: عندي لك كلام.

قال: ما هو الكلام؟ قال: بيني وبينك أيها السلطان.

قال: قل.

قال: يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: {أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر} وجنودك يسبلون ثيابهم غفر الله لك! وهل المسألة مسألة إسبال؟

يقول الرجل: يا أبا مسلم تلبس السواد لقد خالفت السنة؟

فقال: حدثني فلان عن أبي الزبير عن جابر -وهذا الحديث في مسلم ولا أدري كيف أدركه أبو مسلم وهو ليس من أهل الحديث- حدثني فلان عن أبي الزبير عن جابر: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم دخل يوم الفتح وعليه عمامة سوداء} يا غلام! اضرب رأسه؛ فقطع رأسه!!

الشاهد هنا: أن الأبيض مطلوب، وفي الصحيحين كان عليه الصلاة والسلام يقول: {ونقني من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس}.

لماذا الأبيض؟

لأن شريعتنا بيضاء، يقول عليه الصلاة والسلام: {أتيت بها بيضاء} دينه أبيض، وشريعته بيضاء، ولبسه أبيض، ومنهجه أبيض، {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥].

وفي سنن النسائي بسند صحيح: أن عمر رضي الله عنه وأرضاه أتى بنسخة من التوراة -وجد أوراقاً، أمة أمية تفرح بالمراسم والأقلام والألوان إذا وجدتها، عمر لا يقرأ، فلما وجد قراطيس عند أهل خيبر، وقيل: في مدراس عند أهل خيبر قال: آتي بها إلى الرسول عليه الصلاة والسلام- قال: يا رسول الله! خذ هذه من التوراة -أي: استفد منها- فغضب عليه الصلاة والسلام، وقال: {أمتهوكون فيها يـ بن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، ولو كان موسى حياً ما وسعه إلا اتباعي}

والشاهد هنا قوله: لقد أتيتكم بها بيضاء.

فشريعته بيضاء.

أبي بن كعب سيد القراء، قالوا في ترجمته: كان ثوبه أبيضاً، ولحيته بيضاء، ورأسه أبيضاً، وقلبه أبيضاً {نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} [النور:٣٥].

قال: {إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب} لماذا استنكر عمر شدة البياض؟

قالوا: لأنه لو كان مسافراً لكان مدنس الثوب، وهذا لا يعرفونه؛ لكنه نزل فجأة شديد بياض الثياب.

<<  <  ج:
ص:  >  >>