[الصبر على الإيذاء والحسد]
يشكو بعض الإخوة من الاستهزاء بهم، فنقول له: إن خطاب الشيخ الآن دفاع عنك وعن الإسلام وعن عرضك وعرض الأخيار والأبرار، فاحمد الله عز وجل أن جعلك في موقف إذا نيل منك أثابك الله، ولم يجعلك أنت المستهزئ؛ بل جعلك أنت الذي يتعرض لهذا، كما تعرض له أشرف الخلق عليه الصلاة والسلام، فإنه سُخر منه، واستهزئ به، وضحك من دعوته، ونيل من عرضه، وأوذي عليه الصلاة والسلام؛ فصبر واحتسب، فاحمد الله أن يستهزأ بك، وماذا فعلت أنت؟ أطلقت لحيتك! وقصرت ثوبك! وصليت الصلوات الخمس في جماعة! وحرمت على نفسك الغناء! وحضرت الدروس! فهذه جريرتك عند الأمة؟!
يقول أحد الشعراء:
إذا محاسني اللاتي أدل بها كانت ذنوبي فقل لي كيف أعتذر
يقول: أخرجني من هذه الورطة، إذا كان التزامي واستقامتي على منهج الله هي أكبر ذنب لي؛ فكيف اعتذر للناس.
ويقول المهدي صاحب كتاب البحر الزخار، وهو حاكم من حكام اليمن، من آل البيت، شكا له ابن الوزير ما يلقاه -هذا العالم الكبير- من الاستهزاء والسخرية، قال:
وشكوت من ظلم الوشاة ولم تجد ذا سؤدد إلا أصيب بحسد
لا زلت يا صدق الكرام محسداً والشانئ المسكين غير محسد
ويقول آخر:
إن العرانين تلقاها محسدة ولا ترى للئام الناس حسادا
السقط ليس لهم حاسد، ولا وراءهم من يستهزئ بهم؛ لأنهم سقطوا أصلاً، وإنما يُحسد من نبغ أو نبل أو حرص بالدين أو حمل رسالة، أو عنده ميثاق، أو كان صاحب مبادئ، فهذا الذي يتعرض دائماً للاستهزاء فاحمد الله على ذلك، واعلم أنها في ميزان الحسنات، وتلقها بصدر رحب، فإنها مع المران سوف تكون سهلة، فسوف توجه إليك السهام ثم تسقط ولا تصيبك بإذن الله؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:١٠٤] يقول: هم يألمون، لكن أنتم نصيركم أعلى، وسندكم أغلى، ومنهجكم أجلى، وأنتم في ميزان الحق ثابتون.
أيضاً يقول سبحانه وتعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ} [آل عمران:١٤٠] فهم يمسهم القرح، حتى يقول أحد الشعراء عنده عليه الصلاة والسلام:
سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا
فتعود الاحتمال، وحمل الأذى، وكن صامداً محتسباً صابراً لا تتوجع؛ بل فوض أمرك إلى الله، وقل دائماً: حسبنا الله ونعم الوكيل، يقول المتنبي:
إذا اعتاد الفتى خوض المنايا فأهون ما يمر به الوحول
يقول: الذي يعتاد المبارزة دائماً الذهاب إلى المعركة في حقه قليل؛ لأنه أصبح عنده استعداد ومناعة، مثل التطعيم ضد مرض الكوليرا، فهم الآن يطعمون الناس بالمصل؛ فتستفيد منه كرات الدم البيضاء لترد هذا المرض، كذلك الدعاة وطلبة العلم والأخيار البادئين، عليهم أن يكون عندهم مصل من الصبر والتحمل، وليعتبروا بصاحب الرسالة الخالدة الذي وضع السلى على رأسه، وجرح، وأوذي، وقتل سبعون من صحابته، وطرد من بلاده، وبيعت أملاكه، وضربت بناته، وجعل الحجر على بطنه عليه الصلاة والسلام من الجوع، ومع ذلك يقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون}.
فمثل هذا يعطي طالب العلم قوةً واحتمالاً: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} [العنكبوت:٢].