[من أشعار المتنبي]
السؤال
أرجو أن تذكر لنا قصيدة من قصائد الفيلسوف المتنبي؟
الجواب
أنت أول من يقول: إن المتنبي فيلسوف، وهو ليس كذلك، بل هو شاعر، المتنبي كان عند سيف الدولة في حلب، ذهب إلى كافور الذي كان مولى ثم حكم مصر وذلك أنه غضب من سيف الدولة في حلب، فذهب إلى كافور يمدحه، ومدحه من أجل الشهوة والشهرة والمنصب، وهو شاعر مجيد، لكنه لم يستخدم شعره في مدح الإسلام، فمدح كافوراً بمدح عجيب حتى يقول:
لقيت المرورى والشناخيب دونه وجبت هجيراً يترك الماء صاديا
أبا كل طيب لا أبا المسك وحده وكل سحاب لا أخص الغواديا
وكافور هذا كنيته أبو المسك، يقول أنت أبو كل طيب في الدنيا، وليس المسك وحده، فلما غضب عليه طرده من مصر، فنام في الطريق، فأتته الحمى، فقال قصيدة اسمها الحمى، وكانت زوجته في بلد وأبناؤه في بلد، وأصدقاؤه في بلد، وجيرانه في بلد كما قال أبو تمام:
بـ الشام أهلي وبغداد الهوى وأنا بـ الرقمتين وبـ الفسطاط جيراني
يقول في هجاء كافور يقول:
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيه تجديدُ
أتى عيد الفطر وهو مريض ومسافر.
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم بأمر فيه تجديدُ
يقول: يا عيد ليتك ما أتيت، وليت بيني وبينك صحاري واسعة:
أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيداً دونها بيدُ
إني نزلت بكذابين ضيفهم عن القرى وعن الترحال محدودُ
جود الرجال من الأيدي وجودهم من اللسان فلا كانوا ولا الجودُ
جوعان يأكل من زادي ويمسكني لكي يقال عظيم القدر مقصودُ
يقول: يأكل كافور من زادي، ويأكل خبزي، ويحبسني في مصر.
ثم يقول:
لا تشتر العبد إلا والعصا معه إن العبيد لأنجاس مناكيدُ
أما قصيدة الحمى فيقول فيها:
ملومكما يجل عن الملام ووقع فعاله فوق الكلام
وزائرتي كأن بها حياءً فليس تزور إلا في الظلام
وهو يعني الحمى؛ لأن الحمى لا تأتي إلا في الظلام، وهذه من صفات الحمى، ومن ميزات الحمى أنها لا تأتيك إلا بعد صلاة العشاء، فترجفك رجفاً، ويسمونها المكسرة، لأنها تدخل ثلاث مائة وستين عضواً، ما تدخل عضواً إلا تحكمة، يقول:
وزائرتي كأن بها حياءً فليس تزور إلا في الظلام
بذلت لها المطارف والحشايا فعافتها وباتت في عظامي
يقول: فرشت لها بجنبي، وقلت: نامي هنا، يقول: فعافت الفراش وباتت في عظامي.
أبنت الدهر عندي كل بنت فكيف وصلت أنت من الزحام
يقول: عندي كل مصيبة، عندي ثلاثون مصيبة: مصيبة الألم، ومصيبة كافور، ومصيبة سيف الدولة، ومصيبة الأطفال، وأنت جئت تكملين، كيف وجدت لك مدخلاً؟!
أبنت الدهر عندي كل بنت فكيف وصلت أنت من الزحام
إذا ما فارقتني غَسَّلَتْنِي كأنا بائتين على حرام
إلى آخر ما قال، ويقول في آخرها:
وآنف من أخي لأبي وأمي إذا ما لم أجده من الكرام
ولما صار ود الناس خباً جزيت على ابتسام بابتسام
أصبح كلام الناس مجاملات، يقول: كيف حالكم في الصباح؟ وهو لا يدري كيف حالك، ولا يهمه حالك، يقول: والله دائماً نتذكركم، والله يجعلكم في خير وعافية، وهو لا يهتم بك ولا بحالك، أما المسلمون المؤمنون فلا، ثم يقول:
ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام
رجل يمكنه أن يكون مستقيماً مع الله عز وجل، ولكنه لم يستقم، فهذا أعيب العيب.
كان ديجول رئيس فرنسا يحب بيت المتنبي هذا -يقولون: الشعر والدبابات في فرنسا - فطلب منهم أن يكتبوا بيت المتنبي على الدبابة التي تقود الدبابات، وكان يعجبه هذا البيت:
ولم أر في عيوب الناس عيباً كنقص القادرين على التمام
المتنبي مبدع في الشعر، وقد ذهب إلى الله كغيره من الشعراء.