زيد بن خالد يروي حديثاً في العقيدة
زيد بن خالد الجهني له فيما أعلم أحاديث قليلة، ما يقارب أربعة أو خمسة أحاديث في البخاري، منها حديثه الشهير وهو من الأحاديث المعتمدة في كتاب التوحيد وفي العقيدة الإسلامية, وفيه فوائد جمة.
يقول: صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر في الحديبية في إثر سماء من الليل أي: بعد نزول مطر في الليل فلما صلّى بنا صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر التفت إلينا قال: {أتدرون ماذا قال ربكم تبارك وتعالى؟ قلنا: لا يا رسول الله! -وربما قالوا: الله ورسوله أعلم, وهذا خطاب الصحابة دائماً- قال: يقول الله عز وجل: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب, وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب}.
هذا الحديث من أعجب الأحاديث, ولذلك أتى به الشيخ المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد، وقرره كثير من أهل العلم كـ ابن القيم وابن تيمية قبله, وغيرهم كثير, وهو ينهى عن مسألة التعلق بالأسباب من دون الله عز وجل.
معنى الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل في الحديبية ومعه الصحابة، أمطرت السماء بفضل الله عز وجل في الليل, فلما نزل المطر والغيث صلّى بهم صلى الله عليه وسلم, فالتفت بعد الصلاة يحدثهم عن هذه القضية العقدية الكبرى, قال: (أتدرون ماذا قال ربكم؟) من أخبره صلى الله عليه وسلم أن الله قال؟ إنه بطريق الوحي, الله يوحي إليه كما قال تعالى: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:٤ - ٥].
فقال الصحابة متهيبين متورعين مستحين: الله ورسوله أعلم, قال: (فإن الله يقول أصبح من عبادي) يعني: في هذا الصباح بعد هذا المطر, أصبح الناس صنفين:
صنف يقول: مطرنا بفضل الله ورحمته, وهذا مؤمن بالله كافر بالكواكب؛ لأن الكواكب لا تنفع ولا تضر, بل هي خلق من خلق الله عز وجل.
وصنف آخر يقول: مطرنا بنوء كذا وكذا وهذا موجود عند بعض الناس, أن يقول: مطرنا بنوء الثريا، أو بسهيل، أو بالسبع! فهذا كافر بالله مؤمن بالكواكب, لكن في الأمر تفصيل.
ومشهور عند الناس هنا وفي الأوساط الاجتماعية أنهم يقولون: إذا دخلت هذه السبع، أو دخل سهيل، أو دخلت الثريا نزل الغيث, فهل هذا تعليق للغيث بالكواكب أو كفر بالله؟ -لا- إن معنى كلامهم إن شاء الله -كما يقول ابن الأثير - إن هذه المواعيد وهذه الهيئات وهذه العلامات مواعيد لنزول الغيث من الله عز وجل, فهي علامات فحسب, فلا ضير عليهم وليس عليهم إن شاء الله بأس, الذي يقول مثلاً: يمطر بنوء كذا أو سوف يأتي نوء كذا ومعه المطر فمعناه: أنه علامة للمطر, وأنه في وقت نزول الغيث من الله عز وجل, وهؤلاء معتقدهم أن الذي ينزل الغيث هو الله, وأنه هو الذي يكشف الضر والبأساء واللأواء.
أما من قال: إن هذا النوء إذا جاء هو الذي يمطر الناس وغيره لا يمطر، فهذا الكافر, قد كفر بالله عز وجل.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يريد أن يرد الأسباب إلى مسببها سُبحَانَهُ وَتَعَالى, والكواكب خصت لأنه وجد الصابئون وغيرهم من عبدة الكواكب, ولذلك ابن سيناء يتكلم في كتبه ويقول عنه ابن تيمية: وإنه يدعو في بعض كتبه إلى عبادة الكواكب والنجوم من دون الله, ابن سيناء الذي يقعقع بذكره في المجالس، والأندية العلمية، والمؤسسات العلمية حتى في أوساطنا!
فابن سيناء هذا ضال مضل, نسأل الله العافية مما أصابه, لقد تعلم علمه كما قال تعالى: {ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:٤٠] باطني, فلسفي, كوكبي, إسماعيلي, صابئ, متكلم.
قال ابن تيمية في كتاب المنطق المجلد التاسع: قال أهل خراسان: ابن سيناء ذكي كافر, فأنا قلت هذا لئلا يغتر بكتبه؛ لأن له مذكرات وكتيبات، وينقل منه في بعض المؤلفات, وهو يعظم الكواكب والنجوم من دون الله, ويقول: إن الإله الذي في الكون هو العقل الفعال, فإن صح عنه ذلك -كما قال أهل العلم- فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين, وإن كان قد تاب فيتوب الله على من تاب, لكن لا يغتر بمبادئه؛ لأن علم الكواكب شرك عند المسلمين وقد تناقلوه، وبعض المسلمين أخذه عن الصابئة.
فالرسول صلى الله عليه وسلم ينهى عن هذا الأمر.
وهذا الحديث من أحاديث التوحيد الكبار, فالرسول صلى الله عليه وسلم يثبت الأسباب, لكن أين مسببها إنه سُبحَانَهُ وَتَعَالى، ولذلك يقول: {من تعلق تميمة فلا أتم الله له} ويقول له الأعرابي: إنها تزيل الوهن.
قال: {لا تزيدك إلا وهناً} والتميمة هي: شيء من خيط، أو خرزة، أو ظفار، أو قرطاس يكتب فيه شيء, ومن كتب هذه الأمور من غير الآيات، واعتقد فيها نفعاً أو ضراً فقد أشرك بالله عز وجل، وكفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
وسمعنا في بعض الأوساط أن قوماً حرف الله قلوبهم, وأضلهم على علم, وطبع على قلوبهم وأسماعهم وأبصارهم: أنهم يتعاملون بالسحر, ويكتبون بعض الأوراق لبعض الناس, فمن أتاهم وصدقهم فقد كفر بكتاب الله، وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ومن أتاهم فلم يصدقهم لم تقبل له صلاة أربعين يوماً, وهذا موجود، والرسول صلى الله عليه وسلم إنما أتى لإنهاء هذه الخرافات والتبعية والتقليد والتأخر, والضحك على عقول الناس, وأكل أموال الناس بالباطل, فانتبهوا أثابكم الله لهذا الأمر.
فمن ادعى علم الغيب من رجل أو امرأة فقد كذب على الله، والجن يخدمونهم, يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: لا يأتي هذا الإنسان الذي يدعي علم الغيب حتى يأتي وينجس نفسه لتتلبس به الجن، ويزيد بعض الكلام, ومن العجيب أن غلاتهم هؤلاء من الإنس، لم تأته الجن حتى اشترطت عليه شرطاً وهو أن يبول على المصحف! فبال على المصحف فتلبست به, قال تعالى: {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا} [الأنعام:١٢٨].
يقول ابن تيمية: وكذلك يأتون إلى الأماكن الوسخة لتأتيهم الجن، فيجلسون في المزبلة والمجزرة والمقبرة ويدعون الجن من دون الله, ولا يقولون: باسم الله حتى تأتيهم الجن, ويقول: وقد قبضت على أناس كثر منهم حتى إن بعضهم يبقى في الجنابة عشر سنوات أو أكثر، لأنه لو اغتسل لا تأتيه الجن، ولذلك أعظم ما يؤمنك من الشياطين هو الوضوء، والغسل من الجنابة، وذكر الله عز وجل.
فهؤلاء الذين يتعاملون بهذه المعاملة لا تقول: إنهم أولياء لله, وسمعنا في بعض الأوساط أنهم وجدوا من الرجال والنساء, امرأة تدعي علم الغيب، وهي تدعي إخراج الماء من الآبار وتريه للناس, وإنما يخدمها الجن، وهي من أفجر نساء العالمين وحسيبها الله عز وجل.
وسمعت أن رجلاً إماماً في مسجد -أعجب من العجب- يكتب هذه الأوراق, ولما فتحت هذه الأوراق وجد أنه ليس فيها آية، ولا حديث، وإنما هي سحر وبهتان.
وحد الساحر ضربة بالسيف, ومعنى ذلك أن من يسمع لهم أو يصغي لهم فقد أعان على تأصيل الكفر.
والله قد يبتلي العبد, فتمرض زوجته فلا تجد علاجاً في مستشفيات العالم حتى العلاج عند هذا, ليرى الله هل تصبر على المرض، أو تأتي بها إلى هذا ليكشف ضرها, فإذا ذهبت بها وكشف الله ضرها, خسرت في الدنيا والآخرة.
ويبتليك بولدك فيمرض مرضاً عجيباً، ويستعصي عليه الطب والأدوية، فإذا أتيت إلى هذا المجرم الأفاك الأثيم وجدت عنده العلاج, قال تعالى: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك:٢] وقال: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:٢ - ٣] وهذه الخرافة أتى صلى الله عليه وسلم لإنهائها.
ويوم توجد مثل هذه الخرافات في المجتمع فإنها تدل على ثلاثة أمور:
١ - على أن الأمة هبطت في مستواها الثقافي هبوطاً لا يعلمه إلا الله.
٢ - تضحك علينا أمم العالم, ماذا يقول أعداء البشرية من الأمريكان والإنجليز إذا رأوا الناس المصلين الصائمين، أهل القرآن، وأهل العقيدة يذهبون إلى مقرطسين؟
٣ - إن معناها تأصيل الكفر, وخاصة في الجزيرة العربية , التي عصمها الله فلا يجتمع فيها دينان, فمن فعل ذلك فقد أعان على تأصيل الكفر.
وإنما نبهت على هذه القضية لأنها من أخطر القضايا, وحبذا لو كتب فيها الكثير, وخطب فيها، وتكلم في المجالس العامة لأنها وجدت ويجدها خاصة من يداخل الناس, ويرى بعض المنشورات, وبعض الأخبار والأعلام.
نسأل الله لنا ولكم الهداية والسداد والتوفيق والرشد, وأن يلهمنا رشدنا ويقينا شر أنفسنا، وأن يتولانا وإياكم في الدارين.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.