للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من إضاعة المال صرفه في المعاصي وكثرة البناء]

وقال بعضهم: هو صرف الأموال في المعاصي، أو في محاربة الحق، فمثل من يصرفها في المعاصي كمن يفتح مكاناً لتسجيلات الغناء، فيستأجر عاملاً، ويصرف الألوف المؤلفة في إغواء أجيال الأمة، ويصرف الغناء بأشرطة ويدخلها البيوت على الناس، أو محل الفيديو المهدم أو ترويج الفاحشة، أو المجلة الخليعة أو غير ذلك، وقد قال عنهم سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:٣٦] هم ينفقونها صراحة لكنها سوف تكون عليهم حسرة، سوف يذوقون الغصص لأنهم حاربوا الله بهذا المال.

أيضاً من يصرفها في المعاصي كمن يسافر ليعصي الله عز وجل ولا يتصدق ولا ينفق ولا يبني المساجد ولا يساهم في الخير، فهؤلاء يلحق بهم قول الله تعالى: {فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:٣٦].

ومن وجوه الإسراف كثرة البناء، قال خباب بن الأرت: [[يؤجر العبد إلا ما وضع في هذا التراب]].

قيل: في البناء الزائد عن الحاجة، فإن بعض الناس هوايته البناء، حتى تجد رجله في القبر أي بلغ السبعين والثمانين وهو يلاحق المؤسسات، والعمال، والإسمنت، والحديد والماء، وهو مبهذل الليل والنهار كم تعيش؟!

يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمران

دار أذن الله من فوق العرش بخرابها: {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} [المجادلة:٢١] وكتب عليها الفناء:

كتب الموت على الكل فكم فل من جيش وأفنى من دول

حارت الأفكار في قدرة من قد هدانا سبلنا عز وجل

وتجد الإنسان في السبعين -وهي من سبعين الاستغفار والتوبة والبكاء ولبس الكفن- مغرماً بالعمارات والبناء قال سفيان الثوري: "من بلغ الستين فليلبس كفناً فقد أعذر الله إليه" قال الله في لافتة لهؤلاء: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر:٣٧].

يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً بالله هل لخراب الدار عمرانُ؟

ويا حريصاً على الأموال تجمعها أقصر فإن سرور المال أحزانُ

وقد نظم الشعراء في ذلك أبياتاً جليلة وقصائد، ولولا الإطالة لذكرتها، ولأسهبت في ذكرها، ولكن على كل حال هذا تحذير من إضاعة المال في بناء وكثرة العمارات لغير مصلحة، إلا لمصلحة شرعية أو مقاصد من تنمية المال ليسهم به في وجوه الخير، وينسب إلى إبراهيم الصولي أنه قال:

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها إلا التي كان قبل الموت بانيها

دارك التي تسكن وتنزلها غداً هي التي بنيت الآن.

فإن بناها بخير طاب مسكنه وإن بناها بشر خاب بانيها

أموالنا لذوي الميراث نجمعها ودورنا لخراب الدهر نبنيها

سبحان الواحد الأحد! يموت أحدهم ولا يأخذ إلا الكفن ويترك عشرات القصور، وعشرات البساتين، يقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ} [الأنعام:٩٤].

قال الإلبيري:

وما يجديك تشييد المباني إذا بالجهل نفسك قد هدمتا

تفر من الهجير وتتقيه فهلا من جهنم قد فررتا

وتشفق للمصر على الخطايا وترحمه ونفسك ما رحمتا

<<  <  ج:
ص:  >  >>