للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[معنى: كفران العشير وكيف يكون]

المسألة الثانية: كفران العشير.

ما هو الكفران؟

الكفران: مصدر كفر، وكفر: غطى، يقال: كفرت البذرة في الأرض إذا غطيتها، وكفر المعروف إذا غطاه، وإنما سمي الكافر كافراً لأنه جحد معروف الله وآياته، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} [الفتح:٢٩].

قال بعض المفسرين: الكفار: الزراع؛ لأنهم يكفرون البذرة في الأرض، وقال غيرهم: بل الكفار هنا هم الكفار المعروفون الذين كفروا بالله ورسوله واليوم الآخر.

قوله: العشير هو الزوج، وإنما سمي عشيراً من المعاشرة وهي المصاحبة، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:١٩].

فكفران العشير من أسباب دخول المرأة في النار، فهي تجحد المعروف، وتنسى الكرم، لو يبدأ معها حياته في شغف ويبذل كل ما يملك ثم تسمع كلمة نابية منه فإنها تنسى المعروف كله، وتنزل عليه بكلام مثل القذائف، وتكفر بمعروفه وجوده وكرمه، فهذا هو معنى كفران العشير.

فيقول صلى الله عليه وسلم: {تكفرن العشير} والرسول صلى الله عليه وسلم يعلم ما يتكلم به لسانه، فقد عاش في البيت زوجاً، ولو لم يتزوج لقال الناس: إنه عليه الصلاة والسلام ما عاشر المرأة، ولا صاحبها ولا عرف أخلاقها، لكن من نعمة الله عز وجل أن أرسله بشراً، ولم يرسله ملكاً، فلو كان رسولنا ملكاً وقلنا للناس: انظروا إلى صبر الرسول وكرمه وزهده، لقالوا: إنه ملك، لكن جعله بشراً ليكون لنا قدوة، ولذلك عاش مع المرأة صلى الله عليه وسلم، والله يقول: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:٣٨].

وذلك ليعيشوا الحياة آلامها وآمالاها، وطموحاتها ومشاقها، والإنسان المعزول في رأس جبل كيف يصلح أمة، وهو لا يعرف ذنوب الناس وحسدهم وأمراضهم؟!

الطبيب الذي يبدأ في غرفة مغلقة مع عقاقيره، ومعمله، وصيدليته، كيف سيداوي المرضى؟

ولذلك الرسل عليهم الصلاة والسلام تزوجوا، حتى إن الإمام أحمد جلس في مجلسٍ مصغر ومعه تلاميذه وحثهم على الزواج، فقال أحدهم: أما أنا فلا أتزوج، قال: ولم؟ قال: ترك الزواج أفضل، قال: من قال لك ذلك؟ قال: حُدثنا عن إبراهيم بن أدهم أنه لم يتزوج، وإبراهيم هذا أحد الزهاد العباد، فقال الإمام أحمد: أوه! وقعنا في بنيات الطريق، يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً} [الرعد:٣٨] فهل إبراهيم بن أدهم قدوتنا أو محمد صلى الله عليه وسلم؟ فلذلك استدل الإمام أحمد بسيرته عليه الصلاة والسلام.

<<  <  ج:
ص:  >  >>