[رسالته صلى الله عليه وسلم إلى هرقل]
وأما هرقل عظيم الروم، فإن الإسلام دخل قلبه، فلما دخل قلبه جمع الناس، وقال: ما رأيكم نسلم وندخل مع هذا الرسول؟ فقال قومه: ماذا تريد منا؟
قال: نريد أن ندخل في دين الله وأن نسلم للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد أغلق عليهم حوشاً كبيراً فحاصوا كحيصة حمر الوحش من الغضب، وكان هو مرتفع على قبة، وكادوا يقتلونه، وتمزقوا يريدون أن يخرجوا من الأبواب، فإذا الأبواب مغلقة، قال: عودوا فعادوا، قال: إنما أردت أن أمتحن صلابتكم على دينكم، وأمتحن جدارتكم، ولا أريد أن أسلم، وهو أراد أن يسلم، لكن ما فعل.
ونص رسالته صلى الله عليه وسلم إليه: {بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله، إلى هرقل عظيم الروم، أمَّا بَعْد: أسلم تسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:٦٤]}.
هؤلاء الملوك استمروا حتى عزلهم صلى الله عليه وسلم بحكم الإسلام، وأرسل جيوشه وكتائبه، ففتحت مشارق الدنيا ومغاربها مهللة مكبرة.
وأما ما سمع من الهواتف والكهان قبيل زمنه عليه الصلاة والسلام، فلا يدخل تحته حصر فهي كثيرة، وكانوا يسمعون الهاتف من الليل يهتف، قريش طاردت الرسول عليه الصلاة والسلام من مكة، وقالت: من يجد الرسول فله مائة ناقة، فلحقه سراقة بن مالك، ولا تدري قريش أين يذهب صلى الله عليه وسلم، هل ذهب المشرق أم المغرب، أو الشمال أو الجنوب؟ لم يعلموا أنه ذهب باتجاه المدينة؛ لأنكم تعرفون اتجاه المدينة عن مكة، والرسول صلى الله عليه وسلم خالفهم ونزل تجاه الجنوب في غار ثور؛ لأنه يعرف أنهم سوف يبحثون عنه في خط المدينة، فنزل في غار ثور فلحقوا به وطوقوا الغار ولم يدخلوه بإذن الله وأعمى الله أبصارهم ونجاه.
فلما أصبح في الطريق لم تدرِ قريش أين ذهب، فلما اقترب من المدينة وإذا هاتف يهتف في مكة من الجن وهو يقول:
جزى الله رب الناس خير جزائه رفيقين حلاَّ خيمتي أم معبد
هما نزلا بالبر ثم تروحا فأفلح من أمسى رفيق محمد
فيا لقُصيَّ ما زوى الله عنكمُ به من فخار لا تُجاذى وسؤددِ
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها فإنكم إن تسألوا الشاة تشهدِ
هذا شعر الجن، فعرفت قريش أنه ذهب إلى المدينة.
وهذا القصة: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم نزل عند هذه المرأة أم معبد الخزاعية -وكانت في خيمة- وزوجها يرعى الغنم وهي عجوز كبيرة، فقال لها صلى الله عليه وسلم: أعندك شاة حلوب؟
قالت: ما عندي من حلوب، قال: وما هذه الشاة؟
قالت: شاة خلفها الجهد عن الغنم، قال صلى الله عليه وسلم: هل لي أن أحلبها؟ قالت: إن وجدت بها حليباً فاحلبها، فأتى صلى الله عليه وسلم بإناء رحراح، ثم قال: بسم الله، تبارك الله، ثم حلب فملأ الإناء، فأعطاها فشربت العجوز حتى رويت، ثم حلب فملأ الإناء، فأعطاه أبا بكر فشرب، ثم حلب فملأ الإناء فشرب صلى الله عليه وسلم.
قالت: من أنت؟ فأخبرها، قالت: ثم بقيت مذهولة ومشى صلى الله عليه وسلم فأتى زوجها فأخبرته الخبر وهي مذهلة، أتاها من الدهش ما لا يعلمه إلا الله، فأخبرت زوجها، قال زوجها: لعله الرجل الذي تطارده قريش، ويقول: إنه رسول الله، وبعد أن استقرت الرسالة أتت هي وزوجها بغنم هدية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأسلموا فكساهم صلى الله عليه وسلم، وأعطاهم من المال ما الله به عليم، هذا من ضمن ما ورد من الأخبار عنه صلى الله عليه وسلم.