للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تفسير قوله: (ولا الضَّالِّينَ)

الضالون: هم النصارى، لماذا ضلوا؟

لأنهم تركوا العلم.

فأولئك -أي: اليهود- علموا ولم يعملوا.

وهؤلاء -أي: النصارى- عملوا ولم يعلموا.

قال سفيان بن عيينة: [[من فسد من علمائنا، ففيه شبه باليهود، ومن فسد من عبادنا، ففيه شبه بالنصارى]].

وقد شابه كثير من هذه الأمة هاتين الطائفتين, فالأمة فيها الطوائف الثلاث:

طائفة: ((الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:٧] أي: الذين أنعم الله عليهم، وهم: أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وهؤلاء هم الذين نرجو الله أن نكون منهم ومن روادهم.

وطائفة: (الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ) أي: الطائفة الأخرى المعرضة، ما يُسَمون بالمثقفين ثقافة التي لا توصل أحدهم إلى الإيمان، نعم.

عندهم شهادات عالية؛ لكن لا توصلهم شهادتهم إلى أن يصلوا الفجر في جماعة، أو أن يبروا بالوالدين، أو يصلوا الرحم، أو يخافوا من الله، أو يحترموا أهل العلم، أو يتعاطفوا مع الدعاة، أو يغاروا على انتهاك محارم الله عز وجل، أو يذبوا عن مبدأ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] نعم! مثقف يحمل شهادة، لكنها شهادة للبطن، وللسيارة، وللوظيفة، يأكل بها عرضاً من الدنيا، ولكنها تنفعه في الآخرة، {يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم:٧].

إذا ما لم يفدك العلم خيراً فليتك ثم ليتك ما علمتا

وإن ألقاك فهمُك في مغاوٍ فليتك ثم ليتك ما فهمتا

فهذا العلم غير نافع، فالذهن بالنسبة له سلة مهملات لا يحمل خشية، ولا استقامة، ولا غَيْرَةً لله ولرسوله، ولا يحمل المبادئ الخالدة التي أتى بها صلى الله عليه وسلم.

هذا القطيع المثقف الذي غُزِيت به الأمة من الغرب، والذي سُلِخ من ظاهره وباطنه، وأصبح ملغماًَ من الداخل بأفكار منحرفة، هذا يشابه (الْمَغْضُوْبِ عَلَيْهِمْ).

نحن نعرف أن منهم من قد يصلي، ويقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] لكن ينقض {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] بعد خروجه من المسجد يلغيها بقلمه، ويشَطِّب عليها بفكره، وبقصيدته، وبسهره، وباستهزائه وسخريته بحملتها.

وطائفة: (الضَّالِّينَ) أي: الجهلة، كغلاة الصوفية، ومن شابههم من جهلة الناس، الذين يعبدون الله على غير بصيرة يجتهدون في العبادة؛ ولكن على غير علم، وعلى غير سنة، أحدهم يهتم بأمور عبادته؛ ولكن لا يهتم بنجاحها، وصلاحها، وقبولها، فإنه لا يُقْبَل عملٌ إلا بإخلاص ومتابعة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

لا كهنوت في الإسلام ولا رهبنة، ولابد من إمام إن عمل بهذا عملنا، وإن ترك تركنا، نقف عند حدود شرعنا.

فهذه -الأمة أيها الإخوة- بين {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥].

<<  <  ج:
ص:  >  >>