[حرص عمر على عدم تسلط الولاة]
ونقف في موقفٍ طريف رواه أهل السير والتراجم, نعيشه مع عمر رضي الله عنه وأرضاه، ونستمد هذا من إمام العبقرية الفذة عبر التاريخ رضي الله عنه وأرضاه ورفع منزلته، يقول الله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} [النساء:٥٨] ويقول تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} [ص:٢٦] أي: انتبه، إن المنهج بيدك، والرسالة معك، فلا تجامل في الدين، ولا تلعب بالقيم، قال تعالى: {وَلا تَتَّبِعْ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [ص:٢٦].
كان أمير مصر عمرو بن العاص الداهية، وله ابن اسمه محمد سابق مصرياً فسبقه المصري، وأحياناً بعض الخيول تسبق خيول ولاة الأمور, فسبق هذا, فقال محمد بن عمرو: خيلك يسبق خيلي! أتسبقني وأنا ابن الأكرمين! ثم ضربه، فذهب المصري يشتكي إلى عمر رضي الله عنه وأخبره الخبر، فقال عمر: عليَّ به وبأبيه، ليؤدب الأب، لأنه لو كان مؤدباً -في نظره- لأدب ابنه واستدعاه والمصري واقف, والصحابة جلوس.
قال: والله لا يحول بيني وبين عمرو وابنه أحد, ثم أخذهم فبطحهم أرضاً, وأخذ الدرة التي تخرج الشياطين -دائماً- من الرءوس، وهذه الدرة رقية الرحمن، التي يؤدَّب بها، فضرب عمرو بن العاص وابنه ضرباً مبرحاً.
وقال: [[متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً]] متى كانت هذه الجمركة على عقول الناس؟
متى كان هذا الضرب على وجوه المسلمين الساجدين الراكعين؟
من أعطاكم هذه الرخصة؟
هل هو الله؟
إن هذا حرام، فأدبهم فعادوا إلى رشدهم رضي الله عنهم أجمعين.
ويستمر الحال، ولكن عمر يفاجئ الناس, وإذا هذا الذي هز العالم من شرقه إلى غربه لا يملك إلا ثوباً واحداً فيه أربع عشرة رقعة، وإذا عمر ليس له حراسة، ولكن حارسه الله، يقول شوقي:
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان
يقول: إذا لاحظك الله فنم في أي مكان كنت، وإذا لم يلاحظك الله فلن يمنعك أحد، ولو كان حرسك سبعين ألفاً كحرس شاوسسكو مجرم رومانيا , فقد كان عنده من الحرس سبعون ألفاً من الشرطة السرية، ثم سحب كالدجاجة, وذبح في الشارع أمام الناس، أين السبعون ألفاً والله ما حرسه؟
وإذا العناية لاحظتك عيونها نم فالحوادث كلهن أمان
عناية الله أغنت عن مضاعفةٍ من الدروع وعن عالٍ من الأطم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على خير البرية لم تنسج ولم تحم