دعوة إبراهيم عليه السَّلام
الحمد لله، الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمَّا بَعْد:
فاسمع إلى سياق القرآن وهو يتحدث عن إبراهيم عليه السلام، وهو يدعو لهذه البلاد؛ ولهذه الصحراء، ولأهلها، بعد أن أنزل أهله بـ مكة، في شعابٍ سود لا زروع فيها ولا بساتين، ولا حدائق فيها ولا مزارع، ولا حبوب فيها ولا فواكه، وإنما فيها شوكٌ، وصخورٌ مجدبة، وحرارةٌ متوهجة، يترك أهله هناك ثم يستقبل بوجهه الحي القيوم ويقول: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:٣٧].
هل رأيت أجدب من هذه الصحراء في بلاد العالم التي نعيش فيها؟
وهل رأيت بعد ذاك الجدب أرغد منها معيشة، وآمن منها وطناً، وأحسن منها متاعاً بفضل تلك الدعوة المباركة من النبي المبارك عليه السَّلام؟
{رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم:٣٧] بوادٍ أجدبَ لا ماء فيه ولا حياة، لا ري فيه ولا رغد، لا ظل ولا أشجار، ولا حدائق ولا بساتين: {بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} [إبراهيم:٣٧]
و {رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ} [إبراهيم:٣٧] فرض عليهم أن يقيموا الصلاة لوجهك، ويقيموا التوحيد، ويطيعوك ولا يعصوك، ربنا إذا فعلوا ذلك: {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ} واجعل شعوب العالم تأتي إليهم لتؤانسهم وليحيوا بها حضارةً ويبدعوا بها تجارة، أما رأيت الملايين المملينة وهي تموج بهم في مزدلفة وعرفة ومنى؟
أما رأيت الدعوة كيف تحصنت؟
ولكن هل يا ترى يستمر الشرط مع البركة؟
هل يستمر إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟
{وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ} [إبراهيم:٣٧] واستجاب الله لإبراهيم فأتت الثمرات من كل شعوب العالم، أتت الفواكه من دول العالم تحملها الطائرات طازجةً إلى هذه الصحراء، من أوروبا وأمريكا، وأستراليا والصين، ومن كل صقعٍ من المعمورة إلى هذه الصحراء، وكأن الله يقول: {كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} [سبأ:١٥].
هذه هي النعمة التي أسبلها الله وأسدلها علينا تبارك وتعالى، ولكن العار كل العار والشنار كل الشنار أن نخالف ما جعله الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى سبباً للطاعة، فنرد على الجميل بالقبيح، ونتجرأ على المعاصي كما يفعل السفهاء منا، الذين يلعبون بالنار، وينتهكون حدود الله، والذين يريدون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، ويريدون أن يطمسوا بركة هذه البلاد ومعالمها، بما يتجرءون عليه من شرب المسكر، وتناول المخدرات، ومن مزاولة الزنا، والتعامل بالربا، سوف يغضب الله ذاك الغضب الذي لا يرده هواك.
عباد الله: تدبروا من حولكم، وتفكروا كيف فعل الله بهم: {ِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [ابراهيم:٥].
وصلوا وسلموا على من شرفه الله بالرسالة وأمركم بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلّى عليّ صلاة واحدة صلّى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ على نبيك وخليلك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا في عهد من خافك واتقاك واتبع رضاك برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه يا رب العالمين.
اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر عبادك الموحدين، اللهم انصر جندك المجاهدين في أفغانستان وفلسطين وفي كل صقعٍ من بلاد المسلمين، اللهم ارفع رايتهم على التوحيد، واجمع كلمتهم على ما تحبه وترضاه، وثبت أقدامهم يا رب العالمين، وخذ بأيديهم وأنزل السكينة في قلوبهم.
اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا ماكانت الوفاة خيراً لنا، اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة برحمتك يا أرحم الراحمين.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ