[واجب المسلم تجاه الدعاة والعلماء]
ونظراً لما لخطاب سماحة الشيخ العام الذي وجهه للأمة بخصوص الدفاع عن العلماء والدعاة فإني أريد أن أبين قضايا تهم المسلم:
أولاً: واجب المسلم نحو الدعاة الذب عن أعراضهم، وحماية دعوتهم، وعدم ترك السفهاء من المنافقين والمرتدين، ومن في قلبه مرض أن يلغ في أعراضهم الطاهرة؛ بل على المسلم أن يدفع عنهم؛ لأن الله عز وجل ذكر أنه يدافع عن الذين آمنوا، وطلب عليه الصلاة والسلام من المؤمن أن يذب عن عرض أخيه المؤمن، وقد صح عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: {المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، ولا يسلمه، بحسب المسلم من الإثم أن يحقر أخاه المسلم} أو كما قال عليه الصلاة والسلام فيما يرويه مسلم.
الثاني: ذكر محاسن الدعاة، وهم القوم الذين لا يشقى في جليسهم، وهم حملة هذا العلم الشريف الذي بعث به الرسول عليه الصلاة والسلام، وهم نجومٌ يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وظلمات الشهوات، كما يهتدى بالنجوم في السماء، قال الأول:
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا أجابوا وإن أعطوا أطالوا أطابوا وأسدلوا
ولا يستطيع الفاعلون كفعلهم وإن حاولوا في النازلات وأجملوا
فعلى المسلم أن يحتسب الأجر من الله عز وجل، فيذكر ما للعلماء والدعاة من مآثر، فإنهم يحفظون الشريعة، ويفتون الأمة، ويبينون ما أحل الله، وما حرم الله، ويأمرون بالتوحيد، وينهون عن الشرك، وينقذون الأمة، ويدلونهم على الجنة، ويبينون لهم أسباب السعادة، ويحذرونهم من أسباب الشقاء، وهم أبوابٌ على الجنة، وهم بإذن الله صمام الأمان لهذه الأمة الخالدة الموقرة.
الثالث: ومن رأى على الدعاة ملاحظةً أو رأى نقصاً فعليه أن ينصحهم، أو يكتب لهم كتاباً، ولا يحل له أن يقع في أعراضهم؛ لأنه وقوعٌ في شريعة الرسول عليه الصلاة والسلام وابتهالٌ بالكتاب والسنة، ومعنى ذلك ألا تثق الأمة بعد ذلك بدعاتها وعلمائها، وأهل الرأي فيها، وحملة الكتاب والسنة.
الرابع: أن يعذر هؤلاء الدعاة والعلماء في المسائل الاجتهادية، التي اختلف فيها الأئمة من قبلهم، وهي من فروع الشريعة، ولهم أعذارٌ كما بين ذلك شيخ الإسلام في كتابه " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " فليس لأحدٍ من الناس أن يعنفهم، أو أن يثرب عليهم، أو أن يغضب عليهم إذا خالفوا في مسألة اجتهادية، بعد أن يجتهد الواحد منهم، وأن يكون أهلاً للاجتهاد، فإن الأمر فيه سعة في مسائل الاجتهاد التي هي من الفروع لا من الأصول.
الخامس: عدم مناصرة العلمانيين، والحداثيين، وأهل البدع، وأهل الشهوات، ومرضى القلوب على الدعاة، فإن معنى ذلك خيانةٌ لله تعالى عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، فإن من يقف في صف الكافر أو صف المبتدع، أو صف المغرض فإنه يحارب الله عز وجل، ومن يحارب الله يأخذه الله أخذ عزيز مقتدر.
السادس: ومن الواجب على الأمة الدعاء للدعاة والعلماء بظهر الغيب، وفي أدبار الصلوات، وفي ساعات السحر، أن الله ينصر بهم دينه، وأن يعلي بهم كلمته، وأن يوفقهم بالقيام بنشر الدعوة في مشارق الأرض ومغاربها، ليستمر هذا الدين، ولتقوم قائمته، وليرفرف علم التوحيد في أرض الله عز وجل، فإن الله عز وجل ذكر أن الأرض أرضه، وأنه سبحانه يرث الأرض ومن عليها، وقال بعض أهل التفسير في قوله سبحانه وتعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [الرعد:٤١] قالوا في قوله سبحانه وتعالى: (نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا) بموت العلماء.
وقد بين صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه أن الله عز وجل لا ينتزع العلم انتزاعاً من صدور العلماء، ولكنه ينتزعه أو يقبضه بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.
وليعلم العبد أن عليه أن يكون من أنصار الله عز وجل، فإنه ليس في الدنيا إلا حزبان، حزب الله عز وجل وحزب رسوله صلى الله عليه وسلم، والحزب الآخر حزب الشيطان، حزب الله هم المفلحون الصادقون الناصحون، وحزب الشهوات والشيطان هم الذين يحاربون الحزب الأول، ففريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير.