[رجل من أهل الجنة]
واسمعوا إلى قصة طريفة مكررة, لكن كلما كررت كانت أحلى وأحلى, كان عليه الصلاة والسلام جالساً مع أصحابه في المسجد, يذكرهم بالله, وكما يقول ابن القيم: "كانت مجالسه ذكراً لله" أنفاسه ذكر, وكلامه ذكر, ونومه ذكر, وأكله ذكر, وشربه ذكر, وممشاه ذكر لله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى, ولما جلس الصحابة, وإذا برجل كبير في سنه, دخل وماء الوضوء يتقاطر من لحيته, وحذاؤه تحت إبطه, وهذه علامة التوحيد والإيمان, والله عز وجل يضحك إلى ثلاثة كما في الحديث عند الطبراني -ولله ضحك يليق بجلاله- لما قال عليه الصلاة والسلام: {يضحك ربنا تبسم أعرابي بدوي, فقال له عليه الصلاة والسلام: ما لك تتبسم؟ قال: لا نعدم من رب يضحك خيراً -يقول: ما دام ربنا يضحك فهذا علامة على أنه سوف يرحمنا ويعطف علينا ويلطف بنا, وسوف يغفر لنا, وأملنا في الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى كبير- يضحك الله إلى ثلاثة: أولهم: رجل خرج في الصحراء مع قافلة مسافرين معهم مطاياهم, سافروا من أول الليل إلى آخر الليل, فلما قرب الصبح نزلوا في مكان, وكانوا متعبين مجهدين من مشقة السفر فناموا جميعاً إلا رجل منهم ما نام -في قلبه حرارة لا إله إلا الله, في قلبه الحب لله, في قلبه وقود من الإيمان, في قلبه جذوة تتحرك بـ (الله أكبر) - قام إلى ماء عنده, فأخرجه من على ظهر مطيته, فتوضأ حتى تقاطرت لحيته وأعضاؤه بالماء, ثم استقبل القبلة يصلي ويبكي, فجمع الله الملائكة في السماء وقال: يا ملائكتي! انظروا لعبدي هذا ترك فراشه الوفير ولحافه الدفيء, وقام إلى الماء ليتوضأ, وقام يدعوني, أشهدكم أني غفرت له وأدخلته الجنة}.
هذا أعظم نموذج في الحياة, هذا قيام الليل, لكنني أسأل من يتأخر عن صلاة الفجر: ما هو عذره يوم يتأخر عن صلاة الفجر؟ كيف يلقى الله يوم القيامة؟ ماذا يقول لله يوم القيامة؟ إذا قال الله له: أما جعلت بدنك صحيحاً؟ أما أغنيتك؟ أما جعلت لك عينين؟ أما جعلت لك شفتين؟ أما هديتك النجدين؟ أما قومت لك رجلين؟ أما منحتك يدين؟ أما منحتك أذنين؟ أما أسمعتك الله أكبر الله أكبر, الله أكبر الله أكبر؟! أما جعلت لك الليل سباتاً لترتاح فيه؟ والنهار معاشاً لتطلب فيه؟! فما عذرك في ترك صلاة الفجر جماعة؟!
يقول عليه الصلاة والسلام: {من صلى الفجر في جماعة فهو في ذمة الله, فالله الله لا يطلبنكم الله من ذمته بشيء, فإن من طلبه أدركه, ومن أدركه كبه على وجهه في النار} يقول أهل العلم في النوم وغيره: "من صلَّى الفجر في جماعة حفظه الله, وإن وقعت عليه فتنة سلمه الله, وأخرجه الله محفوظاً منها, وإن وقع عليه من القضاء والقدر شيء لطف الله به" حتى ميتة الذين لا يصلون الفجر في جماعة تأتي معكوسة منكوسة, حوادثهم في السيارات, لا يموتون كما يموت الناس, يموتون بلا شهادة, يموتون بلا حفظ, يموتون بلا ذكر, لأنهم تركوا صلاة الفجر جماعة.
هذه بمناسبة دخول هذا الرجل على الرسول عليه الصلاة والسلام, فقال عليه الصلاة والسلام: {يدخل عليكم من هذا الباب رجل من أهل الجنة} فدخل الرجل وصلَّى ركعتين, ومرة ثانية وثالثة يقول عليه الصلاة والسلام: {يدخل عليكم رجل من أهل الجنة} فخرج معه أحد الصحابة وبات عنده, فرأى صلاته كصلاة الناس, وصيامه كصيامهم, وذكره كذكرهم, قال: أسألك بالله! بم استحققت دخول الجنة, فقد أخبرنا عليه الصلاة والسلام أنك من أهل الجنة؟! قال: لست بكثير صلاة ولا صيام ولا صدقة, ولكن والله ما نمت ليلة من الليالي وفي صدري غل لأحد أو غش على أحد أو حسد لأحد, وهذا هو الإيمان لا غل ولا حسد ولا حقد.
{وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤] خرج عليه الصلاة والسلام إلى الطائف فلما دعاهم إلى التوحيد كذبوه, ثم أرسلوا أطفالهم عليه ورجموه بالحجارة حتى سالت دماؤه, كان يمسح الدم من رجله ويقول: {اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون, فأتاه ملك الجبال فقال: هل تريد أن أطبق عليهم الأخشبين؟ قال: لا.
لكني أسأل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئاً}.