[الجهاد في القرآن الكريم والحديث الشريف]
أيها الفضلاء! ذكر الله الجهاد وثمراته ونتائجه ومقاصده، وسوف أختار بعض الآيات من كتاب الله عز وجل، قال المولى جلت قدرته: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ} [البقرة:٢١٨] فسبحان اللهّ! بعد الهجرة والجهاد يرجون رحمة الله، فقل لي: ماذا يرجو القاعدون على الفرش؟! وماذا يريد المتمتعون بالشهوات؟! إذا كان المهاجر والمجاهد تجرح قدمه ويقطر دمه ويتناثر جسمه بالقنابل، ثم يقال له: كأنك ترجو رحمة الله، كأنك تريد ما عند الله، ويقول المولى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} [آل عمران:١٤٢] أظننتم أن طريق الجنة محفوفٌ بالورود يميس كالحرير؟! لا.
إنه طريق صعب، ولو كان سهلاً لدخله الناس جميعاً، ولكن يتخذ ربك شهداء ومجاهدين.
إن من يحسب أنه سوف يدخل الجنة، وهو قاعد على فراشه، لا يدعو، ولا يبذل، ولا يضحي، ولا يغضب لله، ولا يبيع دمه وماله وعرضه من الله، فقد غلط في الحسبان، وأخطأ في العدد، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت:٦٩] (فينا) انظر إلى الضمير (فينا) ما أحسنها من نسبة!
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي
قال: فينا، حتى يقول ابن أبي الحديد مخاطباً ربه:
وحقك لو أدخلتني النار قلت لـ ـلذين بها قد كنت ممن أحبه
وأفنيت جسمي في علومٍ كثيرةٍ وما منيتي إلا لقاه وقربه
أما قلتمُ من كان فينا مجاهداً سيحمد مثواه ويعذب شربه
قال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} [العنكبوت:٦٩] فهي نون النسبة، فهم منتسبون إلى الله، جاهدوا من أجله ولوجهه، ومن أجل مبادئه، ومن أجل لا إله إلا الله، ومن أجل عين لا إله إلا الله، وجمال لا إله إلا الله، وروعة لا إله إلا الله، لا من أجل التراب والوطن، والدم، والجنس، ولا أي كيان وإنما (فينا).
وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة:٥٤] فإذا أرضوا الله، فما عليهم من لوم اللائمين، ولو لامهم العالم، ولو قال لهم العالم: أنهم متطرفون، أو متشددون، أو متزمتون، أو إرهابيون فهم إنما يجاهدون في سبيل الله، وهي الكرامة، وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً وَ٣ِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [التوبة:٤١].
يقولون: كان أبو أيوب الأنصاري رضي الله عنه أرضاه شيخاً كبيراً قد شارف على الثمانين، فسمع بالجهاد لفتح القسطنطينية في عهد يزيد، فخرج ولبس درعه، قالوا له: أنت كبير، أنت ثقيل، قال: لا.
إن الله يقول: {انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً} [التوبة:٤١] والله لأنفرن، فقتل هناك، وسوف يبعث هناك بين قوم كفار يقول: لبيك اللهم لبيك.
وقال عز وجل: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ} [الحج:٧٨] وحق جهاد الله أن يسيل الدم لمرضاته، وأن يقطع الرأس من أجله، وتدفع الدنيا بما فيها وبزينتها وبذهبها ليرضى سُبحَانَهُ وَتَعَالَى:
أيا رب لا تجعل وفاتي إن أتت على شرجعٍ يعلى بخضر المطارف
ولكن شهيداً ثاوياً في عصابةٍ يصابون في فجٍ من الأرض خائف
إذا فارقوا دنياهمُ فارقوا الأذى وصاروا إلى موعود ما في المصاحف
قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} [النساء:٩٥] ولم يسم لنا الأجر، ولم يعدده لنا، إنما هو أجر عظيم، والأجر عند الله، فالمجاهدون أفضل من القاعدين بلا شك، المجاهدون من أجل لا إله إلا الله، والقاعدون يكفيهم اسم القعود، فلم يقل عنهم غير ذلك، إنما سماهم (القاعدون) لأنهم قعدوا، فكأنهم ليسوا قياماً، ولو في ديارهم، إنما لقلة هممهم وعزائمهم قاعدون فهذا وسام لهؤلاء، أما أولئك فـ (المجاهدون- الشهداء في سبيل الله) وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [النساء:٩٥].
هذه آيات، وغيرها كثير، وآيات الجهاد تربو على مائتين وأربعين آية في كتاب الله، وقال صلى الله عليه وسلم: {إن في الجنة مائة درجة؛ ما بين الدرجة والتي تليها كما بين السماء والأرض أعدها الله للمجاهدين في سبيله}.