تفسير قوله تعالى:(وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ)
ثم قال الله تعالى:{وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}[البقرة:٤٥] ففي هذه الجملة مسائل:
المسألة الأولى: ما معنى هذا الكلام المجمل؟ معناها إن الصلاة كبيرة وثقيلة وصعبة إلا على الخاشع، فهي سهلة يسهلها الله، وإن الصلاة لا يأتيها ولا يستطيع أن يداوم عليها بخشوعها وخضوعها إلا الخاشع، ولذلك أكبر الصلاة على المنافق صلاة الفجر وصلاة العشاء، حتى إذا سمع الأذان تجده يخاف ويقول: قطع علينا جلستنا، وإذا سمعوا المؤذن يقولون: سبحان الله! ما أسرع الوقت! فإذا أذن الظهر وبعده العصر قال: صلاة! صلاة! نسأل الله العافية.
ثم إذا قام يقوم ببطء كأنه يجرجر بالسلاسل، يتوضأ ثم يذهب إلى المسجد مكسوف الخاطر ويقابل رب العالمين ويقف في آخر صف وفي طرفه رجلاً تجاهه، ويتكئ على هذه مرة وعلى هذه مرة، فإذا سلم كان أول الناس خروجاً، فهو آخرهم دخولاً وأولهم خروجاً:
وإذا تكون ملمة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
وهذا أحد العرب كان له أخ أكول، وكانت أمه إذا عملت الحيس دعت جندباً، قالت: تعال كل، فيأكل، ثم إذا انتهى وأبقى شيئاً قالت: يا فلان يا جندل! تعال كل، فإذا سمعوا هيجة واضطراب وقتال قالت: يا جندل أنت الأول، يعني في المعركة هذه:
وإذا تكون ملمة أدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
ولذلك تجد أكثر الناس على الشهوات أقلهم في الطاعات، إذا أتت أول شهوة أو معصية فهو الأول، ولكنه في الطاعات متخلف متأخر.
قال تعالى:{وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ}[البقرة:٤٥].