فوائد الصيام كثيرة، ويمكن أن نجمل بعضها، ولكن أعظمها تقوى الله عز وجل، فإنه ختم الآية فقال:(لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ولم يقل: (لعلكم تعقلون) أو (لعلكم تذكرون) وإنما (تتقون) فالصيام سبب للتقوى لأنه:
أولاً: يكسر قلبك عن المعاصي، ويرد جماح روحك عن الذنوب، ويأخذ بزمام نفسك عن الخطايا والمخالفات.
ولذلك لما دعا صلى الله عليه وسلم الشباب إلى الزواج كما في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال:{يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء} فجعل صلى الله عليه وسلم الصوم يقوم مقام الزواج في أنه يكسر النفس ويردها.
ثانياً: أنه يفرغ الأوقات للعبادة، فإن الوجبات قد تأخذ كثيراً من أوقات العباد، وهل أخذ أوقاتنا وضيع ساعاتنا إلا كثرة الأكل والشرب، إننا نجلس في شرب الشاي والمرطبات ساعات طويلة تكفي مثل ابن تيمية وابن القيم إلى أن يؤلف رسائل في خدمة الإسلام، وكتباً في رفع راية هذا الدين.
ولذلك يقولون: إن ابن تيمية ألف كتاب التدمرية من صلاة الظهر إلى صلاة العصر، وقررت في الكليات سنة كاملة، وما فهمها كثير من الطلاب، بل رسبوا في التدمرية؛ لأنها تدمر كل شيء بأمر ربها، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم.
فهذا الوقت يمكن أن يستغل في مرضاة الله عز وجل، وفي تلاوة كتابه والاستغفار وقد ذكر ذلك الغزالي في الإحياء وغيره من أهل العلم.
ومن فوائد الصيام: أن فيه حياة للقلب، فإن القلب قد يموت بكثرة المباحات من مأكولات ومشروبات ومسكونات وملبوسات، فكلما أكثرت على القلب من هذه الأمور قتلته وأماتته، وبعض الناس يظن أن حياة القلب أن تكثر من الأكل والشرب، وهذا ليس بصحيح، فالروح إنما هي نفخة من الله، فكلما أقللت من علائقها من الأرض والتراب، كلما هاجرت إلى الله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى.
ومن فوائد الصيام: أنه يذكرك بالأكباد الظمأى وبالبطون الجائعة من الفقراء والمساكين، فيجعلك تعيش آلامهم وآمالهم، وتعيش ما يعيشونه، وتذوق ما يذوقونه، وتحيا ما يحيونه، فتعيش تلك الساعات المريرة التي يعيشونها، ولم يفرض شهر رمضان ليظن أهل اللحم الذين يأكلون اللحم دائماً، ويشربون البارد دائماً، أن الناس ليسوا في مشقة، ولا يحتاجون إلى مساعدة، ولا إلى مد يد العون فعلمهم الله أنهم كما يصومون ويجوعون ويظمأون، أن هناك من يصوم الدهر كل الدهر جائعاً، ومن يصوم الدهر كل الدهر ظامئا، ومن يجد المشقة ليلاً ونهاراً.