تفسير قوله تعالى: (فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ)
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:٣٧].
لك الحمد ولك الشكر ولك الثناء الحسن، أذنب آدم وأنزل وأهبط فأخبره الله بكلمات يقولوها ليتوب عليه، قال آدم: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص:١٦] وقال هو وحواء: {قَالا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣].
فمد يديه عليه السلام وقال: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣] فتاب الله عليه، فمن فعل مثل أبيه بالذنب فليفعل مثله بالتوبة: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:٣٧] وقيل: إن الكلمات: (لا إله إلا الله الحكيم العليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض رب العرش الكريم).
وقيل: (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو).
وكلها تدخل في الاستغفار, إنما علمه الله كلمات فأنقذه الله بها, فهذه هي التوبة، فنحن المخطئون والمذنبون ونحن -والله- أهل الخطايا والذنوب، وليس لنا حل إلا التوبة النصوح.
وقد صح عند الترمذي من حديثه صلى الله عليه وسلم مرفوعاً: {يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم! لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم جئتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة}.
إن كان لا يرجوك إلا محسن فبمن يلوذ ويستجير المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا وجميل عفوك ثم أني مسلم
سبحان من يعفو ونهفو دائماً ولم يزل مهما هفا العبد عفا
فانظر ما أكثر المعاصي زنا، وربا، وقطيعة رحم وعقوق والدين، وضياع أوقات، وتفلت عن أمر الله, وترك للصلوات، والرزق يأتينا من كل مكان! لا تنقطع عنا الفاكهة أبداً والخضروات صيفاً ولا شتاءً والماء البارد, والأمن والاستقرار, والسكينة والمشاريع الحية، والخطأ مع ذلك متواصل:
يعطي الذي يخطي ولا يمنعه جلاله عن العطا لذي الخطا
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ} [البقرة:٣٧] فقالها آدم وقالتها حواء فغفر الله لهما، وتاب عليهما إنه هو التواب الرحيم، وما أحسن هذه الكلمات!
النصرانية تقتل الإنسان إذا أذنب، قالت: خزيت وبعدت ليس لك توبة.
واليهودية كانت التوبة عندهم قتل أنفسهم، قال سُبحَانَهُ وَتَعَالى: {فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:٥٤].
والإسلام يقول لك: إذا أذنبت توضأ وصلّ ركعتين واستغفر الله من الذنب وتب توبة نصوحاً.
في مسند أحمد بسند صحيح عن أبي بكر، قال علي بن أبي طالب: {كان الرجل إذا حدثني عن الرسول عليه الصلاة والسلام حديثاً استحلفته, فإن حلف صدقته وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر -ما استحلفه- قال: سمعت الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد يذنب ذنباً فيتوضأ ويصلي ركعتين إلا غفر الله له ذلك الذنب}.
فما أيسر الإسلام وما أسهله! وما أوسع باب الله! عطاؤه ممنوح, ونواله يغدو ويروح، وبابه مفتوح، ولذلك أرهقتنا الذنوب لأننا لم نعرف طريق التوبة:
{فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة:٣٧] {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [آل عمران:١٣٥] {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:٥٣].
{يا عبادي! إنكم تذنبون في الليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم}.