وهذا كموقف يوسف عليه السلام، يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر: تأملت كيف رفع الله يوسف! وذلك بأمور:
الأمر الأول: أنه كان شاباً، والشاب صاحب جموح وطموح في الشهوة.
الأمر الثاني: أنه كان غريباً، والغريب لا يخشى من العار كثيراً؛ لأنه ليس صاحب بلد، سافر إلى مصر ولا يعرفه أحد في مصر، ومن يدري أنه ابن يعقوب، وأنه زنى؟!
الأمر الثالث: أنه في بيت ملكة، والملكة تستطيع -لو حُكِمَ عليه- أن تقول: لا.
هذا المرسوم خطأ مرفوض لا يمكن أن يجري عليه شيء، هذا رجل طاهر أطهر من حمام الحرم ومن ماء الغمام.
الأمر الرابع: أنها جميلة، فما عرضت نفسها لأنها متبذلة أو أن وجهها مثل قفاها، لا.
بل لأنها جميلة.
الأمر الخامس: أنها هي التي تزينت ودعته إلى ذلك.
وذكر ذلك ابن تيمية وابن القيم في مدارج السالكين وقال: رفع الله يوسف بهذه الأمور الكثيرة، فلما وقع في هذا المأزق ذكر عظمة الله، يقول الله عز وجل {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ}[يوسف:٢٤] بعض المفسرين يقولون: هَمَّ أن يتركها، ولكن هذا خلاف ما في السير وخلاف ما يفهم من الآية، يقول الله وجل {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا}[يوسف:٢٤] فلو هَمَّ أن يتركها لَمَا ذكر الله عز وجل هذا الهم؛ لكنه أراد وخاطرته النية فذكر موعود الله، كما قال الله:{لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ}[يوسف:٢٤] وبرهان ربه، قيل: إنه رأى يعقوب عليه السلام عاضاً بإصبعه، وقيل: رأى جبريل له ستمائة جناح، وقالوا: رأى الجنة ورأى النار، ولكن الصحيح: أنه واعظ الله في قلب كل مؤمن، بقية إشعاع الإيمان وقوته تحركت في قلبه، وهو برهان ربه، فانتهى فرفع الله مكانه، وأغدق عليه من الثناء، وملَّكه الدنيا.