[حسان بن ثابت]
صلى الله عليه وسلم، وقال: {أيها الناس! أما يحق لرجال نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسيوفهم أن ينصروه بألسنتهم؟!} لأن الرسول صلى الله عليه وسلم تعرض لهجاء من شعراء المشركين، كانوا يهجون الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله بن رواحة: هأنا يا رسول الله -أي: أنصرك- وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى ذلك، لكن رأى عبد الله بن رواحة ليس في درجة حسان في القوة في الشعر، فقام حسان وقال: {أنا لها يا رسول الله! قال: بماذا؟ قال: عندي لسان لو وضعته على حجر لفلقه، وعلى شعر لحلقه، ثم أخرج لسانه وضرب به أرنبة أنفه، فتبسم صلى الله عليه وسلم، وقال: اللهم أيده بروح القدس} أي: بجبريل.
أتى حسان فكان ينشد له صلى الله عليه وسلم، وكان من بني النجار، وكان صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: {اهجهم وروح القدس يؤيدك} روى ذلك البخاري في باب إنشاد الشعر في المسجد، واستدل بهذا.
مر عمر وهو متولي الخلافة، وحسان ينشد في المسجد -في خلافة عمر فلحظ إليه- كأن عمر يكره إنشاد الشعر في المسجد، قال حسان: [[أنشدت في المسجد وفيه من هو خير منك، ثم قال لـ أبي هريرة: أليس كذلك؟ قال: بلى]].
فهذا من فعله رضي الله عنه، ولذلك كلما أتى شاعر بقصيدة فيها هجاء للرسول صلى الله عليه وسلم؛ قام حسان يذب عن عرض الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم والأنصار والمهاجرين يوم بدر يقول:
وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد
انظروا إلى هذا الشرف العظيم، جعل جبريل ومحمد تحت لواء الأنصار رضوان الله عليهم، يقول:
وفي يوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد
وأبو سفيان بن الحارث ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم، تعرض لمقام الرسول صلى الله عليه وسلم فرد عليه حسان بقصيدة يقول فيها:
عدمنا خيلنا إن لم تروها تثير النقع موعدها كداء
إلى آخر ما قال ويقول فيها:
ألا أبلغ أبا سفيان عني مغلغلة فقد برح الخفاء
بأن سيوفنا تركتك عبداً وعبد الدار سادتها الإماء
هجوت محمداً فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء فشركما لخيركما الفداء
فلما سمعه صلى الله عليه وسلم دعا لـ حسان رضي الله عنه وأرضاه، وكان حسان -دائماً- ينافح ويكافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانه، وقد تعمر حسان مائة وعشرين سنة -ستين في الإسلام وستين في الجاهلية- وتوفي بعد أن أحسن المدائح في رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعل ثورته وجهده وكل ما معه من مديح في الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى قال صلى الله عليه وسلم: {اهجهم! والله لهو أشد عليهم من نضح النبل}.
حتى إن حسان كان يستهزئ بهم في قصائده؛ لأنه من كبار شعراء الإسلام.
يُذكر أن الحارث بن هشام أخو أبي جهل كان قائد من قواد معركة بدر ضد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولما انتصر صلى الله عليه وسلم فر ببغلته وترك المعركة، وكان الحارث من أكبر زعماء العرب، حتى يقول الشاعر:
أحسبت أن أباك يوم هجوته وسببتني كـ الحارث بن هشام
لكن لما رأى السيوف تعمل عملها في المعركة؛ فر وترك المعركة على بغلة، وأخذ حسان رضي الله عنه هذه الفرصة، وقال في قصيدة طويلة:
إن كنتِ كاذبة الذي حدثتني فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل عنهم ونجا برأس طمرة ولجام
فتمنىَّ الحارث ابن هشام أنه قد قتل وأنه ما سمع هذه الأبيات، كلها خدمة في سبيل الله، ونصرة لله سبحانه وتعالى من الأنصار، فانظر إليهم كيف نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بدمائهم وأموالهم وشعرهم، وكل ما أوتوا من قوة؟! حتى أن كعب بن زهير وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن هجا الرسول صلى الله عليه وسلم وكان قد أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه فقال: {من وجده من الناس فليقتله} فكان يخرج في القبائل وينام في النهار ويمشي في الليل من خوف القتل، فلما طال عليه الوقت، وطال عليه الجوع والعري والظمأ، أتى فذهب إلى المدينة، ونظم قصيدة للرسول صلى الله عليه وسلم، وأتى فنام عند أبي بكر، وقال: أريد أن تشفع لي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد أهدر دمي في قبائل العرب، والله ما استلذذت بنوم ولا ذقت طعاماً، وما رأيت أهلي، فرق له أبو بكر، وقال: [[هل عندك شعر تقدمه للرسول صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.
]] فأتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر، وسلَّم عليه، وقال قصيدته المشهورة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيم إثرها لم يفد مكبول
ثم قال:
إن الرسول لنور يستضاء به مهندٌ من سيوف الله مسلول
نبئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول
إلى أن يقول:
مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل
وقال كل خليل كنت آمله لألهينك إني عنك مشغول
ثم يقول:
حتى وضعت يميني ما أنازعها في كف ذي نقمات قوله القيل
يقول: كلامي صارم وماض! لا يقبل التلبيس ولا التأويل (في كف ذي نقمات قوله القيل) فمدح المهاجرين وترك الأنصار، يقول:
زالوا فما زال أنكاس ولا كشف عند اللقاء ولا ميل معازيل
أي: لماذا تمدح المهاجرين وتترك الأنصار؟ لأن الأنصار غضب منهم كعب رضي الله عنه؛ لأنهم أكثر من نبَّه الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، يقولون: عليك بالرجل، فوجدها في نفسه، فما ذكرهم في القصيدة فغضب صلى الله عليه وسلم، فقال: أين الأنصار؟ فأتى في اليوم الثاني، ونظم قصيدة فقال:
من سره كرم الحياة فلا يزل في مقنب من صالحي الأنصار
الناصرون نبيه وكتابه يوم الكريهة بالقنا الخطار
فرضي صلى الله عليه وسلم عنه، وهو صلى الله عليه وسلم لا يريد أن يذكر في مجلس ولا في عقيدة ولا في أقوال ولا في عمل مما يختص بالولاء والبراء إلا ويذكر معه الأنصار.