[الوعظ والواعظون]
وأرجو أن يفهم الإخوة الشباب هذا ويطبقوه.
السؤال
يطرح بعض الناس كلاماً حول الوعظ والموعظة، ويرى أن الوعظ ليس له فائدة في هذا الزمن، وأنه كما يقول بعضهم: إن الوعظ قد أصبح بضاعة مزجاة، ثم نسمع -أيضاً- البعض يتساءل عن وجود الوعظ عند الصحابة رضي الله عنهم، أو في صدر الإسلام، فهل يمكن أن تجلي لنا هذه النقطة جزاك الله خيراً؟
الجواب
الوعظ كان من أخص خصائصه عليه الصلاة والسلام، والله تعالى طالبه بقوله: {وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} [النساء:٦٣] وقالوا له: {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ} [الشعراء:١٣٦] وهو أوعظ الناس، وأكثرهم تأثيراً في الناس على تاريخ المسيرة وتاريخ الأمة عليه الصلاة والسلام، كما يقول أحمد شوقي:
وإذا خطبت فللمنابر هزة يعرو الندي وللقلوب بكاء
فأكثر من كان يؤثر بالكلمة ويوصلها إلى أعماق الأعماق هو رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وكان ذلك عن طريق الموعظة، وكان له عليه الصلاة والسلام أسلوبان في الطرح:
-أسلوب الفتيا والتعليم والإرشاد والتربية.
-وأسلوب الوعظ الزاجر الذي تكاد الصخور أن تقوم له.
حتى يقول النعمان بن بشير: {كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظ على المنبر حتى سقطت خميصته من عليه} وقال أنس: {وعظنا صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام، فوالذي نفسي بيده، لقد التفت إلى المسجد وقد وضع كل رأسه على ركبتيه وللمسجد خنين من البكاء} فلا بد أن نحيي هذا الأسلوب، ولا يأتِ أناس ويقللون من شأنه، وأنه بضاعة مزجاة، وأنها شأن القصاص والمهرجين فليس هذا بصحيح، بل هو فن مستقل وإنما لابد أن ينقى ويؤصل, ولا بد أن يخرج فيه كتب حتى يعرف ما هو الوعظ الأصيل.
وإن أكثر من أثر في عامة الناس وفي أهل الانحراف هم الوعاظ, فقد كان ابن الجوزي يعظ فيحضر مجلسه أكثر من مائة وعشرين ألفاً، وربما سقط بعض الوزراء والسلاطين في مجلس وعظه تأثراً من كلامه؛ لأنه كان يضرب القلوب بسياط وعظه، حتى أن أحدهم كان يلتفت إلى جدار المسجد -من المبالغة- فيقول: هل تبكي معنا أم لا؟ وقد ورد أن ابن النجيد وعظ نور الدين زنكي حتى أسقطه من على كرسي خشب، في قصيدة مطلعها:
مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور
إن قيل نور الدين جاء مسلماً فاحذر بأن تأتي ومالك نور
حرمت كاسات المدام تعففاً وعليك كاسات الحرام تدور
وهي قصيدة مؤثرة.
أمر آخر: من مواهب بعض الدعاة والعلماء الوعظ، فبعضهم لا يصلح للفتيا، أو للدراسة الرتيبة والتربية، ولكن تجده واعظاً وخطيباً مصقعاً، فليس بصحيح أن تشطب على جهده وتلغي هذه الموهبة, فإن الناس مواهب، بل حيه وافرح به، وقد قرأت كتاباً لـ أحمد نور بعنوان: (خطباء صنعوا التاريخ) ذكر منهم: نيرابو الفرنسي، ومنهم: فيليب جريت البريطاني، وذكر سعد زغلول المصري، ومصطفى كمال وغيرهم، وأقول: إن في الإسلام خطباء أكثر من هؤلاء عدداً وتأثيراً في الأمة، وسيدهم وأفضلهم صلى الله عليه وسلم, فليست الدراسات تخرج الخطباء الواعظين المؤثرين في الناس.