للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[صلة الرحم]

ومن الأمور التي ينبه عليها صلة الرحم: يوم يقطع الإنسان رحمه يقطعه الله من فوق سبع سماوات وفي الحديث الصحيح: {خلق الرحم ضعيفة فتعلقت بالعرش، قالت: يا رب! هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك، قالت: نعم يارب قال: فذلك لك} قال: فأنزلها سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إلى الأرض، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله، ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:٢٢ - ٢٣] فقاطع الرحم أصم أبكم أعمى لا يفهم شيئاً، قاطع الرحم تلحقه اللعنة في كتاب الله عز وجل، وقاطع الرحم يقترف أكبر جريمة في التاريخ بعد ترك الصلاة، ولو نزل غيث من السماء لعم الناس إلا قاطع الرحم، ولو نزلت رحمة من عند الواحد الأحد لنالها كل أحد إلا قاطع الرحم، ولذلك كان أوصل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما عاداه قرابته وقاطعوه، ودخل مكة منتصراً، أتاه ابن عمه أبو سفيان بن الحارث، فأخذ أطفاله وخرج في الصحراء، لأنه آذى الرسول عليه الصلاة والسلام، وحاربه وقاتله وشتمه، قال الصحابة: أين تذهب يا أبا سفيان؟ قال: أذهب بأطفالي أموت بهم جوعاً وعرياً وظمأً في الصحراء، قالوا: عد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:٩١] فأقبل بأطفاله، وقال: يارسول الله! سلام الله عليك: {تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ} [يوسف:٩١] فبكى عليه الصلاة والسلام، وقال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [يوسف:٩٢] وصلة الرحم، ليس معناها أن تصل من وصلك بل وأن تصل من قطعك، وأن تعفو عمن ظلمك، وأن تعطي من حرمك: {وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} [الرعد:٢١] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:١٣٤] وفي الحديث: {إذا جمع الله الأولين ليوم القيامة اجتمعوا جرداً مرداً حفاة عراة غرلاً بهماً، فينادي سُبحَانَهُ وَتَعَالَى في ذلك اليوم بصوت يسمعه من قرب ومن بعد: لمن الملك اليوم، فلا يجيبه ملك مقرب ولا نبي مرسل، فيجيب نفسه بنفسه: لله الواحد القهار، فيقول: أين الكاظمون الغيظ والعافون عن الناس؟ فيقومون يتخطون رقاب الناس، حتى يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، ثم ينادي: أين الذين تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون؟ فيقومون يتخطون الناس، حتى يظلهم الله في عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ثم ينادي: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي، فيقومون يتخطون الناس حتى يظلهم الله في عرشه يوم لا ظل إلا ظله}.

يا عباد الله! صلة الرحم من أعظم الأعمال، بالزيارة، بالمواصلة، بالهدية، بالدعاء؛ عل الله عز وجل أن يرحمنا من فوق سبع سماوات، ما تأخر القطر إلا بالذنوب، وما جف الماء إلا بالعيوب، وإذا رجعنا وتبنا إلى الله؛ غفر الله لنا ذنوبنا ظاهرها وباطنها.

<<  <  ج:
ص:  >  >>