وقف الحسن البصري، وهو إمام التابعين يفضله كثير من العلماء على التابعين كلهم.
اجتمع القراء عند قصر الحجاج يطلبون أعطيات (أرزاقاً) فلبس الحسن البصري ثيابه وأتى على القراء، وقال: بئس أنتم، قبحتم، رققتم نعالكم، وشففتم ثيابكم، وتطيبتم تطلبون الدنيا بعلمكم! أنتم المتأكلون.
ثم قال: هذا الغشوم الظلوم، يقرأ القرآن على لخم وجذام، ويعظ وعظ الأبرار، ويبطش بطش الجبارين، ويلبس لباس الفسقة!
وكان الحجاج في قصره ولكن لديه استخبارات، ثم وصل الكلام إلى الحجاج.
فقال: علي به، والله لأقتلنه هذا اليوم.
وقتل الناس عند الحجاج كذبح الدجاج.
فأرسل إلى الحسن فلما سمع الحسن الجنود قال: أنظروني قليلاً، فدخل في غرفة مع الواحد الأحد {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا}[المجادلة:٧] فاختلى بالله وبكى وقال: يا رب! يا ذا القدرة التي لا تضام، والركن الذي لا يرام، أسألك أن تسخره لي وأن تنصرني عليه.
ثم خرج.
وفي أثناء الطريق قلب الله قلب الحجاج؛ لأن قلب الحجاج بيد رب الحجاج {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[يوسف:٦٤].
فدخل عليه الحسن، فقام الحجاج فاستقبله عند ركن الباب، وقبله على رأسه، وأخذ غالية من طيب، وطيب لحية الحسن، وقال: هيجناك يا أبا سعيد، اعذرنا ولا نعود إلى ذلك.
فلما خرج قال الوزراء: أين وعودك وأيمانك؟
قال: ما دخل علي حتى كان عندي من أرهب الناس: {فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}[يوسف:٦٤].