للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[من معاني العيد وأسراره]

يا أمة العيد! يا من لبسوا الجديد لمولاهم وأعلنوا أنه أحق بعبادة العبيد! من أجلَّ سمات ومعاني العيد، وأسرار العيد؛ أن نعود للحي القيوم، فمن لا يعود إلى الله، ولا يعلن العودة إلى الله فليس له عيد.

لماذا يفرح وقد ابتعد عن الله؟!

لماذا يفرح وقد قطَّع حباله بينه وبين الله؟!

لماذا يفرح وقد أوصد أبواب التوبة بينه وبين الله؟!

فمعنى العيد: أن تعود إلى الله، وتعلن توبتك كما يأبق العبد فيعود إلى مولاه.

ومن معاني العيد: أن نقف صفوفاً في المصلى، وكأننا نقول: يا رب! إن قبلت فزدنا قبولاً، وإن غضبت فأتنا رضاً، وإن أذنبنا فتب علينا.

ومن أجلَّ أسرار العيد: أن نتعاود فيما بيننا ونتزاور، يأتي القاطع الذي قطع أرحامه السنوات المديدة، واستوجب اللعنة العتيدة، فيمحو لعنة الله بزيارة أرحامه: {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} [محمد:٢٢ - ٢٣].

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} [الرعد:٢٥] فحينها تأتي يوم العيد فتزور أباك وأمك، وأخاك وأختك، وعمك وعمتك، وخالك وخالتك، وكل قريب يقرب منك ووصلك الله بوصيلة منه: {فإن الله لما خلق الرحم وتعلقت بالعرش قال: تكلمي، قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة، قال: ألا ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى.

قال: فذلك لك} فأنزل الله الرحم، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله.

فالذي لا يصل رحمه يوم العيد كأنه ما فعل شيئاً.

فإن من أسرار العيد المعاودة؛ أن تدخل السرور على من جعل الله بينك وبينهم وشائج قربى، وأن تريهم نفسك، وأن يسمعوا حديثك وتسمع حديثهم؛ لأن الحياة قصيرة فلا تقطعها بالقطيعة.

ومن أسرار العيد: أن تعود إلى صف المسلمين في الجمع والجماعات، والمناسبات، والأعطيات، والتبرعات، وأن تقف صفاً معهم واحداً، فأنت عضو حساسٌ من أعضائهم، وأنت مضغة من جسمهم، وأنت ذرةٌ من هذا الكيان الخالد.

فمن أسرار العيد أن تعود مع المسلمين في صلاة الجماعة والجمعة، وأن تتوب إلى الله.

بئس قوم لا يعرفون الله إلا في رمضان.

بئس عبدٍ أتى رمضان فصام وقام وتلا آيات الواحد العلام، فلما سمع إعلان يوم العيد رجع على ما كان عليه من الفرقة فإنه هو البعيد، لما سمع إعلان يوم العيد تمرد على رب العبيد، أليس رب رمضان رب شعبان وشوال؟!

أليس رب رمضان هو الذي يدرك السر وما يدور في الخلدان؟!

أليس رب رمضان هو المطلع على ما تخفيه الضمائر في الوجدان؟!

فيا عباد الله! من عرف الله في رمضان فليواصل معرفته كل آن، ومن تاب إلى الله في رمضان فليواصل توبته إلى الله في كل زمان ومكان.

إن الملوك إذا شابت عبيدهم في رقهم عتقوهم عتق أبرار

وأنت يا خالقي أولى بذا كرماً قد شبت في الرق فاعتقنا من النار

عباد الله! صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صلِّ وسلم على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة يا رب العالمين.

وارض اللهم عن أصحابه الأطهار؛ من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك ومنِّك يا أكرم الأكرمين!

<<  <  ج:
ص:  >  >>