[السجود]
أما السجود فكان عليه الصلاة والسلام، إذا أراد أن يسجد لم يرفع يديه، بل يقول: الله أكبر، ويبدأ بركبتيه ثم يديه، ثم ما ولي من جسمه، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال -كما في الصحيحين -: {أمرتُ أن أسجد على سبعة أعظم، على الجبهة وأشار إلى أنفه، وعلى اليدين، وعلى الركبتين، وعلى الرجلين} فهذه سبعة أعظم لابد من السجود عليها، قال بعض العلماء -وأصاب-: لو سجد على أنفه ولم يسجد على جبهته، فقد أخطأ وما سجد، ولو سجد على جبهته ولم يسجد على أنفه فقد أجزأته صلاته، والكامل والأولى أن يسجد على الأنف والجبهة لفعله عليه الصلاة والسلام.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا سجد أمكن يديه من الأرض، وجافى يديه عن عضديه، واستقبل بأطراف أصابعه القبلة، وبعض الناس يجافي ولا يستقبل بيديه ولا رجليه القبلة، وهذا أخطأ، فقد كان صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي حميد: {يستقبل بأطراف أصابعه القبلة} وهو في الصحيحين.
وجاء عن البراء بن عازب، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: {ضع يديك وارفع مرفقيك} أي لا تفترش المرفقين، وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يفترش الرجل يديه كافتراش السبع.
قال الصنعاني في سبل السلام: نهينا عن هيئات، منها: هيئة الغراب، وهو نقر الصلاة كالغراب، ومنها: الالتفات كالتفات الثعلب، ومنها: البروك كبروك البعير، ومنها: تحريك اليدين بعد السلام كأذناب خيلٍ شمس، ومنها: افتراش اليدين كافتراش الكلب أو السبع، فلا يفترشها المسلم، بل يفعل كما فعل عليه الصلاة والسلام.
وكان صلى الله عليه وسلم إذا سجد قال: {سبحان ربي الأعلى وبحمده، رب اغفر لي} ودعا، وربما قال: {سبوحٌ قدوس رب الملائكة والروح} وربما قال: {سبحانك اللهم وبحمدك، رب اغفر لي} وكان يدعو كثيراً في السجود، كما في حديث عائشة عند مسلم، هذه أحواله صلى الله عليه وسلم في السجود التي نقلت إلينا، وقد جاء عند النسائي من حديث أبي ذر الغفاري بسندٍ جيد: {أن الحسن امتطى على ظهر الرسول عليه الصلاة والسلام} وهذا يستدل به بعض المحدثين على أنه يجوز أن يطول بعض السجود على بعض {فارتقى الحسن فطول عليه الصلاة والسلام في السجود، فلما سلم سألوه فقال: إن ابني ارتحلني فخشيت أن أرفع فأؤذيه، فمكثتُ حتى نزل} أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
وأيهما أفضل النزول على الركبتين أم على اليدين؟ يقول: ابن القيم رحمه الله في حديث أبي هريرة، الذي هو حسن على الصحيح ولو أن بعض أهل العلم اتهم السند: {إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليقدم يديه قبل ركبتيه} قال ابن القيم: في الحديث قلب في قوله: {وليقدم يديه قبل ركبتيه} ولكن قد جاء عند الحاكم من حديث وائل بن حجر، وقد ذكره شعيب الأرنؤوط: {أن الرسول صلى الله عليه وسلم ربما قدم يديه قبل ركبته} فما موقفنا من ذلك؟ الأصوب أن تقدم الركبتين قبل اليدين، لحديث وائل وغيره من الأحاديث، والأصل في ذلك أن يبدأ الإنسان بالأقرب فالأقرب إلى الأرض، وأما حديث الحاكم فسنده صحيح، وربما فعله صلى الله عليه وسلم مرة من المرات، لكن تقديم اليدين قبل الركبتين فيه نكارة في الهيئة، وليس بصحيح.
إذاً نقول: الصحيح والذي تطمئن إليه النفس هو تقديم الركبتين على اليدين عند النزول، وهو فعل الرسول عليه الصلاة والسلام غالباً، أما ما ورد عند الحاكم فهو نادر.
وقول ابن القيم أنه لم يقل به أحد من أهل العلم.
غير صحيح بل قال به الأوزاعي والبغوي، وجمٌ غفيرٌ من المحدثين، وكان ابن عمر رضي الله عنه يقدم يديه قبل ركبتيه.
فالخلاف في المسألة مشهور بين العلماء.
خلاصة المسألة: أن الأصوب والأولى تقديم الركبتين، ومن بدأ بيديه فقد أجزأته صلاته، وما ارتكب أمراً محرماً، والمسألة أسهل من ذلك، أن يختلف فيها المحدثون كثيراً، أو يكثر فيها الخلاف، كالجهر بالبسملة، وضم اليدين بعد الركوع، هذه من المسائل التي يتنازع فيها الأئمة، والأمر كما يقول ابن تيمية في أصول الفقه: ما ينبغي أن يعنف على المخالف فيها.
فالمسألة أوسع من ذلك.