للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

شهر رمضان هو شهر الانتصارات على مرّ التاريخ

الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه والتابعين.

مرحباً أهلاً وسهلاً بالصيام يا حبيباً زارنا في كل عام

قد لقيناك بحب مفعم كل حب في سوى المولى حرام

اجتمعت في رمضان مسائل عظيمة لهذه الأمة الخالدة:

أولاً: أنه شهر انتصاراتها على مر التاريخ، فـ بدر والفتح وحطين وشقحب كلها في رمضان.

فهو الشهر الذي ارتفع فيه رأس الأمة وانتصرت بإذن الله، في رمضان كانت ساعة الصفر بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش، فقتلهم قتلة ما سمع التاريخ بمثلها، وفي رمضان وفي يوم الجمعة الساعة السادسة، كان اللقاء الرهيب بين العالم الإسلامي وبين العالم الصليبي المسيحي، ومن الذي يقود العالم الإسلامي؟ أهو عربي؟ لا.

إنه كردي صلاح الدين الأيوبي الشافعي رحم الله تلك العظام؛ كما قال ابن كثير.

صلاح الدين ذلك الشاب الذي نشأ على القرآن في المسجد، كان لا يتبسم ويقول: والله لا أتبسم حتى أعيد المسجد الأقصى إلى المسلمين.

وحضر يقود العالم الإسلامي كله في معركة حطين قال له قواده: نبدأ في الصباح، قال: لا.

إذا بدأت الساعة السادسة وارتقى الخطباء في العالم الإسلامي على المنبر، بدأنا المعركة عل الله أن ينصرنا بدعوات المسلمين.

هذه الدعوات الحارة التي مرغت القوى العالمية، وكسرت ظهر الشيوعية بالأمس، ومرغت وجه البعث بالتراب اليوم، وكم سرّنا وأتحفنا وأثلج صدورنا أن يكسر ظهر البعث كسرة لا يقوم بعدها أبداً! البعث الذي داس المصحف وقتل أبناء صلاح الدين في حلبجة والذي ذبح العلماء والدعاة.

حضر صلاح الدين وبدأ الهجوم وأخذ يقول في المعركة: وإسلاماه! وإسلاماه! وإسلاماه! ثم انتصر بإذن الله.

وفي الجمعة الثانية دخل بيت المقدس يصلي، وهو كردي ليس بعربي؛ لأن العرب في فترة صلاح الدين تركوا القرآن والجهاد، وتولوا إلى الموسيقى والأغنية، وإلى السهرة والبلوت والله يقول: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام:٨٩].

وانتصر، وأذن المؤذن وقام الخطيب، وفي الصف الأول صلاح الدين الكردي، عليه العمامة محملة بغبار المعركة وعليه بعض قطرات الدم في لحيته، كالخضاب من جروح كانت تنز عليه من وجهه، قام الخطيب وأخذ يقول: الحمد لله مجري السحاب، منزل الكتاب، هازم الأحزاب.

من هم الأحزاب؟ بريطانيا وفرنسا وإيطاليا تدعمهم سويسرا وألمانيا في حزب ضد المسلمين، ومع ذلك كسرهم صلاح الدين كسرة ما سمع التاريخ بمثلها.

ثم التفت إلى صلاح الدين وقال:

تلك المكارم لا قعبان من لبن وهكذا السيف لا سيف ابن ذي يزن

وهكذا يفعل الأبطال إن غضبوا وهكذا يعصف التوحيد بالوثن

أمنياتنا في رمضان النصر، وقد نزل القرآن فيه في ليلة القدر، نزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا.

ثانياً: أنه شهر التقوى، فقد انكسرت فيه القلوب، وذبلت فيه الأرواح، وجفت فيه الأكباد، وتذكر الأثرياء الذين يسكنون في العمارات الشاهقة والذين تتخالف عليهم موائد الطعام، الفقراء والمساكين، وتذكروا الذين ينامون على الأرصفة، ولا يجدون كسرة خبز ولا مذقة اللبن، هذه من الأمنيات.

وأعود إلى الموضوع السابق، يقول صلى الله عليه وسلم: {إذا أنفق العبد صدقة فإن الله يتقبلها بيمينه فيربيها لأحدكم كما يربي أحدكم فلوه، حتى تبلغ كـ جبل أحد} ويقول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: {إن لله ملكين يناديان في كل صباح: يقول الأول: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً}.

فنعوذ بالله من البخل وهو من شيم اليهود: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:٣٧].

أيها المسلمون: لا يكفر الخطايا، ولا يغسل السيئات كالصدقات، وإذا كانت لرفع كتاب الله عز وجل، ولدعم هذا المشروع الخيري النير فإنها من أحسن ما تكون، سواء زكاة مفروضة أو زكاة نافلة، والله يتقبل منا ومنكم في: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:٨٨ - ٨٩].

أيها الناس: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].

وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً}.

اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، واعرض عليه صلاتنا وسلامنا في هذه الساعة المباركة، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم لما تحب وترضى.

اللهم وفق أئمتنا وولاة أمورنا لما تحبه وترضاه، وأصلح لهم البطانة واهدهم سبل السلام، ووفقنا وإياهم لكل خير.

ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

<<  <  ج:
ص:  >  >>