[كفالة عبد المطلب النبي صلى الله عليه وسلم]
فحضنته أم أيمن بعد أن ماتت أمه، وكفَّله جده عبد المطلب سيد قريش الذي لا يتكلم أحد إذا كان موجوداً, وإذا أراد أحد من قريش أن يتكلم يستأذنه في الحديث, وهو الذي قابل أبرهة الأشرم يوم هجم على مكة عام الفيل, وكان سيداً مطاعاً كهالة القمر, والرسول في الحروب كان إذا فر أصحابه لا يفر هو صلى الله عليه وسلم، كان يأخذ السيف، ويقول:
أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب
والبردوني شاعر اليمن يحيي الرسول صلى الله عليه وسلم في قصيدةٍ له، ويقول:
في كفه شعلة تهدي وفي دمه عقيدة تتحدى كل جبار
نحن اليمانين يا طه تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصار
إذا تذكرت عماراً وسيرته فافخر بنا إننا أحفاد عمار
هذا رسولنا صلى الله عليه وسلم كان يمتدح بجده هذا في المعارك, وهو الذي قابل أبرهة وهو مرتفع على سرير، وقد أراد اجتياح مكة، وقتل الأطفال واحتلال البيت, فنزلوا -وتعرفون قصة أصحاب الفيل- لقيه عبد المطلب وعندما أقبل عبد المطلب رأى عليه هالة كالقمر فنزل أبرهة إلى الأرض إكراماً لـ عبد المطلب , ثم قام هو وإياه وأجلسه بجانبه على الكرسي, قال: ماذا تريد؟ ظن أنه يشفع في البيت، وأنه يشفع في الحرم, قال: أريد الإبل، عندي مائة ناقة أخذتها أنت وجيشك, قال: ظننت أنك عاقل، وظننت أنك سوف تسألني حماية البيت وتسألني الإبل؟ قال عبد المطلب: أما الإبل فأنا ربها، وأما البيت فله رب يحميه, فأعطاه الإبل فأخذ عبد المطلب الإبل وأدخلها مسارحها, ثم أتى إلى البيت فلزم باب الكعبة وقال:
لاهم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبداً محالك
انظر إلى الفصاحة! يقول: يا رب! الرجل يعدون على بيته فيحمي بيته، ويغضب على بيته، أما أنت فبيتك هذا لا نستطيع أن نمنعه, لأن معه جيشاً جراراً وهو من القوة العالمية الموجودة، أبرهة الأشرم , قائد الكتائب والذي معه أحابيش, لا يخافون الموت, ومعه من طوابير اليمنيين وطوابير العرب ما الله به عليم، لا تقف قريش ولا قبائل العرب تجاهه, بل سحق القبائل في طريقه, فأتى عبد المطلب قال:
لاهم إن المرء يمنع رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم ومحالهم أبداً محالك
وأخذ يبكي، ثم أخذ الأطفال والنساء وقال: اخرجوا على الجبال فإنه سوف تأتي أمور, كأنه متوقع, وهذا من فضل الله عز وجل أن تأتي الغارات والناس قد أخرجوا من الملاجئ, فخرجوا فلما أصبحوا في رءوس الجبال, رفع أصحاب قريش أكفهم إلى الله, والله يذكرهم بعد ما كذبوا: {أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا} [القصص:٥٧] أما حميناهم من الهجوم الكاسح من أبرهة؟ أما أطعمناهم؟ لماذا لا تقولون: لا إله إلا الله؟ {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش:٤] لكن ما قدروا نعمة الله.
وفي الضحى أرسل الله عز وجل طيراً أبابيل، قال ابن عباس: خرجت من البحر, يقول: القواعد التي أتى منها هذا الهجوم لا ندري من أين أتت؟ وقال بعضهم كـ أبي: لا.
أتت من السماء, وقال بعضهم: لا.
بل أتت من المشرق.
دعها سماوية تجري على قدر لا تفسدنها برأي منك منكوس
والله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى إذا أراد زلزلهم أو أرسل عليهم ريحاً أو حريقاً، لكن انظر هذا الجيش العرمرم الذي يحمل السيوف، ويحمل كل ما جادت به قرائحه في تلك اللحظة, أرسل الله عليه طيراً أبابيل, يقولون: مكتوب على كل قذيفة اسم من ترميه من الجنود، فلان بن فلان! إذا كانت للضابط لا ترمي الجندي, الحبشي لا ترمي اليمني, كل واحد موسم, وكانت صغيرة مثل الحمص, قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ} [الفيل:١] يخاطب الرسول صلى الله عليه وسلم, أسمعت ما فعلنا بأصحاب الفيل في الغارة؟
هذا مولده صلى الله عليه وسلم كان في عام الفيل {أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ} [الفيل:٢ - ٤] ولأهل العلم مبحث, هل كل واحدة ألقت قذيفتها فقط وعادت أم لا؟ والصحيح أن كل واحدة ألقت حبة ورجعت, أي: من كثرتها ظللت مكة , ثم ألقت حمولتها مرة واحدة, فقتلتهم شر قتلة.