[استحباب تبشير المسلم]
قال: فأوفى ذلك الرجل وأصبح على جبل سلع، والفارس أقبل يبشر؛ لأن البشرى مطلوبة.
ولذلك إذا سمعت بخبر طيب لا تتأخر، بل بشر المسلم وحث وأسرع واتصل، لا تمهله حتى تنتهي وقت البشرى، ثم تأتي مبشراً بعد انتهاء الأمر، واحرص على أن يكون لك شرف البشرى وأجر البشرى، ولذلك الملائكة بشرت إبراهيم، والله يقول: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) [الصافات:١٠١] والبشرى من أحسن ما يمكن.
في الصحيح أن أبا بكر وعمر رضوان الله عليهما، كانا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فكانا يطوفان بعض الليالي في المدينة يستمعان القائل، ويسألان عن أخبار الناس، ومرا بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا برجل توضأ ودخل المسجد يصلي، ثم رفع صوته بالقراءة، وكان صوته من أحسن الأصوات، وهذا هو ابن مسعود -يقول مسروق -أحد تلاميذه-: قرأ بنا ابن مسعود في صلاة المغرب في الكوفة سورة: قل هو الله أحد، فوالله ما سمعت بصنجٍ ولا نايٍ ولا وترٍ أعجب من صوته، فكان يقرأ- فرفع صوته بالقراءة، فدعا صلى الله عليه وسلم أبا بكر وعمر يريد أن يريهما هذا التلميذ البار النجيب، الذي نبت في نبتة الإسلام، فوقفا على نافذة المسجد وأخذا ينظران وأخذت دموعهم على خدودهم من القرآن، ثم انتهى ابن مسعود ولا يدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر يستمعون له، فرفع كفه، فقال عليه الصلاة والسلام: {سل تعطه، سل تعطه، سل تعط}.
ثم قال صلى الله عليه وسلم: {من أراد أن يأخذ القرآن غضاً طرياً فليقرأه على قراءة ابن أم عبد} أي: ابن مسعود.
قال عمر: فطالت عليَّ ليلتي يريد أن يصبح الصباح ليذهب إلى ابن مسعود ليبشره، وفي الصباح صلّى الفجر وذهب إلى ابن مسعود يبشره، قال: قد بشرني أبو بكر.
قال: والله لا أسابق أبا بكر، كلما أتى عمر يريد المركز الأول سبقه أبو بكر، حتى يقول ابن القيم تعليقاً على هذه القصة:
من لي بمثل سيرك المدلل تمشي رويداً وتجي في الأول
يقول: أنت ضعيف الجسم وأبو بكر ضعيف، لكن دائماً هو الأول حتى يدخل الجنة من الأبواب الثمانية.
عمر رضي الله عنه، أراد أن يفعل في الإسلام فعلة عظيمة من أعظم الجود، فأتى إلى ماله وقسم الذهب والفضة، والغنم نصفين، والبقر نصفين، والإبل نصفين فقال: أما نصف فلي ولأهلي، وأما نصف ففي سبيل الله، ثم أخذ النصف، وتوقع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له: ما فعل فعلك من الناس أحد، فقال: يا رسول الله! هذا المال لك في سبيل الله، قال له صلى الله عليه وسلم: {أبقيت لأهلك شيئاً قال: نصف المال يا رسول الله! قال: لكن أبا بكر دفع ماله كله في سبيل الله} قلت: والله لا أسابق أبا بكر أبداً، نعم دائماً:
إن تبتدر غاية يوماً لمكرمةٍ تلق السوابق منا والمصلينا
وفي السنن بسند جيد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس مع الصحابة قال: {من زار منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: من شيع جنازة؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: من تصدق بصدقة؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: من أصبح صائماً؟ قال: أنا يا رسول الله، قال: ما جمعها أحد إلا دخل الجنة} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
فالمقصود: أن السبق بالبشرى هي أحسن ما يمكن أن يبشر بها المسلم، فاغتنم هذا الأجر وبشر به، فإذا سمعت ببشرى سارة لأحد: نجح ابنه، أتاه شيء يفرحه، أتاه ابن وهو غائب، فاغتنم هذا الأجر والمثوبة في إدخال السرور عليه، لكن بعض الناس بالعكس، إذا رأى مصيبة طار في جناح السرعة، اتصل بالتلفون: أبشرك مات ابنك في تمام الساعة الرابعة هذا اليوم، ورسب ابنك في ثمانية دروس، وأبشرك ابنتك الأخرى أخفقت في الامتحان.
لكن لو أتت مبشرات لم يبشر، بعض الناس يدخل من هذه الجوانب، يحب الحوادث، نسأل الله العافية والستر.
يقول عثمان: [[ودت الزانية أن يزنوا الناس جميعاً]] وأهل الكوارث يريدون أن يقع الناس في الكوارث، ولذلك التلميذ إذا رسب في الامتحان يأتي يتبشر في قائمة الراسبين ويقول: عسى ابن فلان ابن جيراننا معي، حتى نتشارك في المصيبة، يريد أهل القرية أن يرسبوا جميعاً، أما إذا نجحوا يأتي على المصيبة مصيبة أخرى، مصيبة أنه رسب، ومصيبة أنهم نجحوا هم، فالمقصود: اغتنام البشرى.