[الوحشة بين العاصي والله عز وجل]
العقوبة الثالثة: وحشة بين العاصي وبين الله لا يعلمها إلا الله.
فأوحش شيء إلى العاصي أن يجلس وحده مع الله، فتجد العاصي يفر من الوحدة ولا يحب العزلة، بينما كان الصالحون والتابعون والسلف الصالح يجلس أحدهم في غرفة، فيذكر الله تعالى ويسبحه ويكبره، ويستغفره ويدعوه، ويجد اللذة والسكينة وحده أما الفاجر إذا جلس في غرفة وحده فكأن وحشة الدنيا وهمها وغمها اجتمع عليه، فلا يحب الوحدة بل تجده يحب الخلطة مع الفجرة، ويجلس في المنتديات والمقاهي مع المعرضين، ويحب الفكاهات والضحك الطويل العريض لينفس عن نفسه فتجده يضحك من شدقه إلى شدقه ومن أذنه إلى أذنه ويقهقه قهقهة قد تهدد أمن الحارة، فهو أكثر الناس ضحكاً وقهقهة، وأكثر الناس مزحاً فاحشاً وبذيئاً؛ لأن في قلبه غم وذلة وهم وحسرة لا ينفسها إلا الضحك فلذلك كان بين العاصي وبين الله وحشة وبين الطائع وبين الله زلفى وقربى.
كان الإمام أحمد يجلس وحده فيقال له: ألا تستوحش؟
فيقول: كيف أستوحش والله يقول: أنا جليس من ذكرني.
وكان إبراهيم بن أدهم يجلس وحده في جبل في لبنان فقالوا له: أتجلس وحدك؟
قال: معي الله عز وجل.
قالوا: ألا تستوحش في هذا الخراب؟ قال: أنا في العمار وأنتم في الخراب.
فهو في الصحراء لكن الله معه.
ذكروا عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه كان يخرج من المسجد بعد صلاة العصر وحده إلى الصحراء، فيرفع إصبعه ويذكر الله ويهلل ويكبر، ثم يبكي ويقول:
وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا
وهذا البيت لـ مجنون ليلى، قاله في محبوبته، لكن ابن تيمية حوله إلى الحبيب القريب سُبحَانَهُ وَتَعَالَى، فقال:
وأخرج من بين البيوت لعلني أحدث عنك النفس بالسر خاليا
وإني لأستغشي وما بي غشوة لعل خيالاً منك يلقى خياليا
ولذلك العاصي دائماً يشعر بالضجر ويريد أن يقضي الوقت في التوافه، حتى إن بعض الناس إذا دخل عليهم رمضان جلسوا في لعب، كلعب البلوت أو الورقة أو ما شابهها، ويأخذون الساعات الطويلة في لعب الكرة، يقولون: نضيع أو نقطع الوقت، ويشعر أحدهم بضجر ويقول: انتابني هم وغم؛ وذلك بسبب معاصيه وإعراضه عن الله تبارك وتعالى.