[دروس وعبر من حياة سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه]
الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، ورسول رب العالمين، وحجة الله على الناس أجمعين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أمَّا بَعْد:
فمن سيرة هذا الإمام الكبير نأخذُ دروساً في الحياة:
أولها: من موقفه مع أمه يوم رفضت أن تسلم، وأضربت عن الطعام والشراب، فرفض هو أن يعود عن دينه، نأخذ من ذلك ألا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق، وأن بر الوالدين شيء، وطاعة الله شيءٌ آخر، وأنه لا يطاع مخلوقٌ في معصية الله، مهما كان هذا المخلوق، من أبٍ أو أمٍ أو مسئولٍ أو معتمد، فإن الله عز وجل، هو الذي يطاع بحقٍ، فلا ينبغي لأحدٍ من الناس أن يطيع والديه في معصية الله، بل يصاحبهما في الدنيا معروفاً، ويحسن صحبتهما، ولكن لا يتبعهما على ما أرادا من ضلالةٍ أو معصية، أو مخالفة، فعلى المسلم أن يكون دائماً ثابتاً، كما فعل سعد بن أبي وقاص مع أمه، وقال لها: [[والله لو كان لك مائة نفس، فخرجت الواحدة تلو الأخرى ما رجعت عن ديني فكلي أو دعي]].
والدرس الثاني: أن المطعم الحلال هو من أسباب إجابة الدعوة، وأن الله عز وجل، لا يقبل دعاء رجلٍ إلا إذا أحسن مطعمه، وكان مطعمه حلالاً، ولذلك ذكر صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة: {الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء، ومطعمه حرام، ومشربه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب له}.
أي: كيف يستجيب الله سُبحَانَهُ وَتَعَالى له وقد دنس مطعمه، نأخذ ذلك من قوله صلى الله عليه وسلم لـ سعد: {أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة} فاللقمة الحلال هي من أسباب إجابة الدعاء وإصلاح الذرية والنية والطوية، ولذلك يقول عليه الصلاة والسلام، كما في صحيح مسلم عن جابر: {لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه وشاهديه، وقال: هم في الإثم سواء} لأن عمله مردودٌ عليه، ونأخذ من موقفه رضي الله عنه وأرضاه في الفتنة، واعتزاله للفتنة، وتركه الخوض فيما خاض فيه غيره من الناس، موقفاً ودرساً، وفائدةً لا ينساها المسلم وهو أن من علامات المسلم ومن خصائصه أنه إذا حدث حادثٌ في الناس أو وقع اختلافٌ بين الأمة، أو وقعت مشاكل وحوادث، لا تخدم الدين، وإنما تشتت كلمة المسلمين وتفرق جمع المؤمنين، أن على المسلم أن يعتزل هذه الحوادث، والمشارب، وهذه المشاكل، وليبق في بيته، وليكن حلساً من أحلاس بيته، لا يخرج إلا لصلاة، أو لجمعٍ مبارك، أو لفائدة يستفيدها، فـ سعد رضي الله عنه وأرضاه اعتزل الفتنة لما رأى الحوادث المدلهمة والفتن التي تعم الأمة، وتركها وجلس في بيته رضي الله عنه وأرضاه، فإن الذي يحب الفتن، ويستوشي الأخبار والحوادث، ويحب الزعازع والقلاقل، رجلٌ فيه نفاق، مريضٌ قلبه، مريضةٌ روحه، لا يربو ولا يعشعش ولا يفرخ إلا على الكوارث والحوادث، أما سليم القلب، والذي يريد الخير للمسلمين فإن كان هناك جمعٌ مبارك، ونصرة، وتأليفٌ للكلمة شارك، وإن كان هناك خلاف، وحدثٌ وزلازل ومحن اعتزل، وهذا هو المؤمن الحق.
عباد الله فبمثل أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم اقتدوا: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ} [الأنعام:٩٠] وعلى منهاجهم سيروا، وبأخبارهم نفسوا وعطروا مجالسكم، وعلى ضوءٍ من سيرتهم استضيئوا، في ظلام الحوادث الدامس، وفي ليل الفتن المدلهم، نسأل الله لنا ولكم الثبات والاستقامة حتى نلقاه.
عباد الله: صلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه، فقال: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
وقد قال صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاةً واحدة، صلَّى الله عليه بها عشرا} اللهم صلِّ على نبيك وحبيبك محمد، وارض اللهم عن أصحابه الأطهار، من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنك وكرمك يا أكرم الأكرمين!
اللهم اجمع كلمة المسلمين، اللهم وحد صفوفهم، اللهم خذ بأيديهم إلى ما تحبه وترضاه، اللهم أخرجهم من الظلمات إلى النور، اللهم اهدهم سبل السلام، اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع رايتك وانصر كتابك، وأيد سنة نبيك صلى الله عليه وسلم، اللهم وفق إمام المسلمين لما تحبه وترضاه، اللهم ألهمه رشده، وخذ بيده لما تحبه وترضاه يا رب العالمين!
اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحينا ما كانت الحياة خيراً لنا، وتوفنا إذا كانت الوفاةُ خيراً لنا.
اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، ونسألك كلمة الحق في الغضب والرضى، ونسألك القصد في الغنى والفقر، ونسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة، ولا فتنةٍ مضلة، برحمتك يا أرحم الراحمين!
اللهم انصر كل من جاهد لإعلاء كلمتك، اللهم انصر المجاهدين في أفغانستان وفي فلسطين وفي الفلبين، وفي كل بلاد من بلادك يا رب العالمين!
اللهم ثبت أقدامهم، اللهم أنزل السكينة عليهم، اللهم أفض عليهم روحاً من روحك، ويقيناً من يقينك، ووفقهم لما تحبه وترضاه يا رب العالمين!
ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلامٌ على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.