الرسول صلى الله عليه وسلم يتكلم للأمة أمة التكافل، فيقول هنا:{نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة} والقيامة فيها كرب، ومن أعظم الكرب يوم القيامة ما يقع عند تطاير الصحف -نسأل الله لنا ولكم السلامة- فإنه يعطى فريقٌ باليمين وفريقٌ بالشمال:{فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ}[الحاقة:١٩ - ٢٢] ثم قال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ}[الحاقة:٢٥ - ٢٨].
ثم من الكرب عند الميزان؛ فإن هناك ميزاناً دقيقاً، من الذي يحكم على الميزان؟! ومن الذي يقف عليه؟! هل تقف عليه الملائكة، أم الرسل، أم ملوك الدنيا، أم قضاة العالم؟!
إنه الله رب العالمين:{لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ}[غافر:١٧] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ}[فصلت:٤٦] ويقول سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}[الفاتحة:٤]{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}[الأنبياء:٤٧] لا ظلم، ولا هضم لحق أحد، فيقف الإنسان مبهوتاً أمام الميزان وهو خائف وجل أن ترجح السيئات بالحسنات، والله المستعان، ومن كرم الله عزوجل أنه إذا تساوت كفتا الحسنات والسيئات أدخل الله العبد الجنة.
ومن كرمه أيضاً أن يأتي بحسنات ما تصورها الإنسان، فيضعها الله في ميزان حسناته فيدخل الجنة.
ثم يقول عليه الصلاة والسلام:{ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة} انظر ما أحسن كلمة "يسر! " والله بعث محمداً صلى الله عليه وسلم ميسراً قال: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى}[الأعلى:٨] وقال: {طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى}[طه:١ - ٣] وقال: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج:٧٨] وقال سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة:٢٨٦] ووصف رسوله بأنه مسهل فقال: {وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ}[الأعراف:١٥٧]؛ أغلال اليهودية، وأغلال النصرانية، والأحكام الجائرة، والتكاليف، والشدائد في العبادات، ولو وضعت علينا ما استطعنا، كان الرجل من بني إسرائيل إذا مس البول شيئاً من ملابسه قطع الذي مسه البول، فلما أتى عليه الصلاة والسلام قال:{بعثت بالحنيفية السمحة} وكان يقول: {إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه} فهو سهلٌ في لباسه، يلبس مرة الجميل البديع، ويقول:{إن الله جميل يحب الجمال} ومرة يلبس المتواضع الذي يجده، حتى يلبس أحياناً صوفاً من شعر:
البس لكل حالة لبوسها إما نعيمها وإما بؤسها
ويأكل أحياناً ما لذ وطاب من الطعام، كالعسل واللحم، وأحياناً لا يجد كسرة الشعير.
وينام أحياناً عليه الصلاة والسلام هادئاً في مكانٍ مريح، وأحياناً ينام على التراب، ليكون قدوة لطبقات الناس جميعاً؛ لأنه مربي، فلا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، لا إلى المترفين الذين جعلوا حياتهم -فقط- أكلاً، وشرباً، ومناماً، ولا إلى الذين أزروا بأنفسهم وكانوا كالرهبان، وكعباد النصارى، لا.