للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الاستفتاح]

صح عنه صلى الله عليه وسلم في الاستفتاح أحاديث، ومن استفتح بشيءٍ منها صحت صلاته، منها: حديث أبي هريرة في الصحيحين قال: {يا رسول الله! سكوتك بين التكبير والقراءة ماذا تقول؟} وفي رواية أخرى: {يا رسول الله! بأبي أنت وأمي} أي: فديتك بأبي وأمي، وهو يستحق أن نفديه عليه الصلاة والسلام، وهو أسلوبٌ يستخدمه الصحابة للمصطفى عليه الصلاة والسلام، وقد قالها عمر لـ أبي بكر، كان يقول له: فداك أبي وأمي، والجاهليون كان يقول أحدهم للزعيم أو للسلطان: أبيت اللعن، أي أعوذُ أن أستجلب أمراً يوجب اللعن، أو أن أكرهك أو أغضبك، فاستبدلها المسلمون بكلمةٍ أطيب فقالوا: فديتك بأبي وأمي، وكان الجاهليون يقول أحدهم: عمت صباحاً، فاستبدلناها بقولنا: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يقول النابغة الذبياني للنعمان بن المنذر:

أتاني أبيت اللعن أنك لمتني وتلك التي منهن قد كنتُ أنصبُ

فإنك شمسُ والملوك كواكبٌ إذا ظهرت لم يبد منهن كوكبُ

قال أبو هريرة: {فديتك يا رسول الله بأبي وأمي، ماذا تقول في سكوتك بين التكبير والقراءة؟ قال: أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد} وهذا هو أصح حديث في الاستفتاح، ويستفتح به المحدثون.

ويرى ابن تيمية وابن القيم أن أحسن استفتاح: سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك؛ لأنه جمع تنزيهاً وتوحيداً وتسبيحاً وتحميداً.

ومن استفتح بهذا أو بذاك فقد أصاب، والأول جاء في الصحيحين، وأما الثاني فقد رواه مسلم بسندٍ منقطع، قاله الدارقطني وغيره، وقد وصله الدارقطني بسندٍ موصول، وهو صحيح.

وجاء عند مسلم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: {أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا استفتح الصلاة قال: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له، وبذلك أمرتُ وأنا أول المسلمين} قال أهل العلم: قال عليه الصلاة والسلام وأنا أول المسلمين، لأنه أول المسلمين، وأما نحن فنقول: وأنا من المسلمين.

وقد أورد ابن القيم في زاد المعاد استفتاحات أخرى، لكن هذه ثلاثة استفتاحات، حديث أبي هريرة في الصحيحين، وحديث عمر في مسلم، وحديث علي: {وجهت وجهيَ للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين} والرابع أورده ابن القيم في صلاة الليل، قال: {كان يسبح عشراً، ويحمدُ عشراً، ويكبر عشراً، ويهلل عشراً، ويستغفر عشراً} إلخ.

ومن صلى بلا استفتاح صحت صلاته، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: {أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه} فالاستعاذة واردة في حديث أبي سعيد الصحيح، وقالوا: النفث هو الشعر، والنفخ هو الكبر، والهمز هو الموتة، أي: الجنون قاله أبو عمر أحد الرواة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>